الثورة أون لاين – نوار حيدر :
في الفن .. في عالم الإبداع .. في عناق الروح والعيون لتراث الرسم الصيني وحديثه .. وبين أحلام الفنانين على مر العصور ونبوءاتهم .. كان التطور الصيني التقليدي مجلوّاً كالحقيقة مشرقاً كألوان الفجر في حلّة شملت تجسيد الحياة بأبعادها الدينية والدنيوية .
هذه حزمة من الخواطر والأفكار التي راودت الباحث زكريا شريقي في مقدمة دراسة قدمها باسم الرسم الصيني “إبداع في قصائد صامتة” .
دراسته كانت كالفصول الأربعة متنوعة ، فيها العديد من المواضيع التي تتمحور حول الرسم الصيني منذ العصر الحجري حتى العصر الحديث ، وما مر على تلك المراحل من تطور .
أظهرت دراسته فن الرسم الصيني التقليدي كصورة من صور عراقة وحضارة الصين في المجالات العلمية والثقافية و المعمارية ، ثم تطور ليطال كهوف معبد دونهوانغ الواقعة على طريق الحرير ، إضافة إلى رسومات الكائنات الطائرة .
منذ حوالى (٤-٦) آلاف عام قبل الميلاد بدأ الرسام الصيني بالزخرفة والتزيين على الأواني الفخارية ، بعد ذلك أُدخل الخط ليكون المركز الرئيسي الجديد .
دخلت البوذية الصين أثناء القرن الأول الميلادي إلا أنها لم تظهر في الفنون حتى القرن الرابع منه ، وازدادت نسبة الأعمال الفنية المتعلقة بالدين بين القرن الرابع والعاشر قبل الميلاد .
اختلفت المواضيع التي تناولها الرسم الصيني فمنها ما تعلق بالطبيعة ، إضافة إلى الرسومات الرمزية التي تنقسم إلى رمزية مغرقة ورمزية بسيطة ، وامتاز الرسم بميزتين الأولى تجسد العاطفة والثانية التصوير بالخطوط .
استخدم الصينيون الرسم بالفرشاة المصنوعة من الخيزران والخشب ورأس الريشة المصنوع من شعر الحيوان اللين والمرن ، كما استخدموا الريشة لرسم الخط الثابت ، والصلب لرسم الطبيعة .
امتاز الرسم الصيني التقليدي بالكتابة على اللوحة شعراً كان أو نثراً بخط اليد أو بواسطة أحد الخطاطين المعروفين في عصره ، سواء كانت الكتابة أقوالاً مأثورة أو أبياتاً من الشعر ، إضافة إلى ختم اللوحة الذي قد يحمل اسمه أو منقوشاً عليه اسم مرسمه والذي يحمل اللون الأحمر ليعطي بذلك لوحته لمسة سحرية .
في الرسم التقليدي منه أو الحديث تخصص بعض الرسامين برسم نوع محدد من الأزهار أو الطيور أو أشجار البامبو واستمر في رسمها طيلة حياته وذلك من منطلق رؤية خاصة للفنان الصيني تقول (إن فائدة التخصص الضيق تتجلى في تمكين الفنان من أن يفهم موضوعه فهماً عميقاً ويعبر عنه تعبيراً فيه المزيد من التأثير ) كالرسام المبدع (تشن هونغ تشو) .
تطور أسلوب الرسم على مر العصور ، كما أثرت فيه النزعة الحضارية لتشمل جميع نواحي الحياة وخاصة فيما يتعلق بالجمال الحسي ، فساعد انفتاح طريق الحرير نحو الغرب على إثبات الإنسان الصيني لقدراته المختلفة في ظل التقاء الحضارات والاحتكاك والتأثر فيما بينها ، خاصة فيما يتعلق بالنواحي الفكرية والفلسفية .
يعد القرن السابع عشر والثامن عشر فترة التبادل الثقافي الكثيف بين الصين وأوروبا حيث لعب المبشرون المسيحيون الأوروبيون دوراً هاماً في هذا التبادل وكانت الفنون الجميلة موضوعاً هاماً لذلك .
من آثار هذه التغيرات التي طالت الرسم هو الرسم بالألوان المائية الذي بات المفضل لدى الشعب الصيني ، وبدأ بالاتساع حتى كاد يشمل مساحة الأرض الصينية كلها ، وبات ينظر إليه في مقاطعة (جيانغسو) -مدينة الرسم – على أنه فن المقام الأول .
بعد انتصار الثورة الاشتراكية وقيام جمهورية الصين الشعبية عام ١٩٤٩ شهد الرسم الصيني ازدهاراً لم يعهد سابقاً ، فقد استطاع الرسامون بمختلف انتماءاتهم إلى مدارس فنية مختلفة ، أن يجتهدوا ويناضلوا للحفاظ ولمتابعة امتياز تقليد عظيم يتعلق بفنهم ( الفن الصيني التقليدي) ، مع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات الجديدة التي تستعمل في تطوير فنهم الخاص بجرأة ودراسة ، وبما يتلاءم مع تطلعات الحياة العصرية الحضارية التي ترنو إليها الصين عامة .
يذكر أن الكتاب صادر ضمن سلسلة مسارات فنية عن الهيئة العامة السورية للكتاب ، ويقع في 295 صفحة من القطع الكبير