الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
إن ما أقره الرئيس جو بايدن من نشر لتقرير استخباراتي أميركي يشير إلى ضلوع محمد بن سلمان في عملية “اعتقال واغتيال” الصحفي جمال خاشقجي لن يفضي إلى تغيير في شكل العلاقة بين واشنطن والرياض فحسب، بل إنه يسلط الأضواء أيضاً على ولي العهد الحاكم الفعلي للمملكة.
ولا شك بأن التوجس كان قد ألم بابن سلمان تحسباً من فوز بايدن على منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، ولاسيما أن بايدن ذكر لمركز الدراسات التابع لمجلس العلاقات الخارجية في حينها أن ترامب “لم يدافع عن قتيل كان يقيم في الولايات المتحدة، بل دافع عن قتلته”، ووفقا لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فإن بايدن الذي يرغب بإعادة تقييم العلاقات مع الرياض، لم يخفِ عداءه لابن سلمان، وخاصة أثناء حملته الانتخابية عام 2020.
التداعيات الدولية..
شكل التغير الدبلوماسي ضربة قاسية بحق ابن سلمان الذي يقدم نفسه للغرب رجلا متسامحاً إصلاحياً يسعى لإضفاء التحرر على المملكة التي اتسمت بشدة المحافظة، الجدير بالذكر، أنه ما إن تبوأ سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة السعودية في مطلع عام 2015 حتى عهد بمنصب وزير الدفاع إلى ولده محمد، ومن ثم سماه وليا للعهد في عام 2017، فأخذ الوريث الحالي للعرش يعرب عن مشروعه القائم على إجراء تغيير في الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط، والالتزام بمكافحة الفساد والإرهاب، بيد أن أساليب القمع الوحشي والانحراف الاستبدادي سرعان ما طغت على مبادرته، إذ بعد بضعة أشهر من توليه العهد، أصبح الحاكم الفعلي للسعودية، وحول نظام المملكة من ملكي قائم على التوافق بين مختلف أفراد العائلة المالكة إلى حكم فردي بحيث تتركز السلطة بين يديه.
إن ما قام به ولي العهد السعودي من رحلات خارجية استرعى انتباه وسائل الإعلام وجعل شعبه ينسى حملاته المتهورة لاعتقال شخصيات من العائلة المالكة، ونسف نشاطات حقوق الإنسان والمثقفين والنقاد، ومنهم الخاشقجي الذي أدان تلك الانتهاكات في مناسبات عدة عبر مقالاته المعارضة في صحيفة الواشنطن بوست، علما أنه اختار العيش في منفاه الطوعي في الولايات المتحدة منذ تسلم ابن سلمان منصبه.
والجدير ذكره أيضاً أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كلامارد قد وصفت في تقرير أصدرته عام 2019 أن اغتيال الخاشقجي في 2 تشرين الأول عام 2018 أثناء زيارته إلى القنصلية السعودية، جريمة ترتبط ارتباطا وثيقاً بمحمد بن سلمان، الأمر الذي قاد إلى تشويه صورته وتسليط الضوء على سجل السعودية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
يشمل سجل المملكة فرض قيود على حرية التعبير ومنع التجمعات السلمية، ومصادرة الحريات الدينية، كما يتضمن سجلها أيضا التمييز ضد المرأة والأقليات في المملكة، فضلا عن إقامة المحاكم الجائرة وإصدار أحكام الإعدام التعسفية وارتكاب أعمال التعذيب، ولا ريب بأن قمع النظام السعودي للمعارضة الداخلية ليس بالأمر الجديد، بل إنه أضحى أكثر حدة منذ صعود ابن سلمان.
كارثة إنسانية..
رأى الخبير السياسي المتخصص بشؤون الخليج، كريم سدر، أن الرحلات الدولية التي قام بها بن سلمان لم تؤدِ إلى نتائج إيجابية، وقال لقناة فرانس 24 في العام الفائت: “إن مبادرات بن سلمان لم تفضِ إلى تعزيز موقف السعودية على رقعة الشطرنج الإقليمية ضد إيران سواء بدخوله اليمن الذي أصبح فيتنام السعودية، أو بفرض حصار خانق على قطر بهدف إضعافها، أو حتى بممارسة الضغوط على لبنان والاستقالة المريبة لرئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري”.
وصف برنامج الغذاء العالمي الوضع في اليمن حيث تؤيد السعودية القوات التي تحارب أنصار الله منذ آذار عام 2015 بأنه “أحد أسوأ أزمات الجوع” ويبدو أن الأمم المتحدة تعتزم إقامة حدث افتراضي يوم الاثنين هدفه جمع التبرعات لتفادي مجاعة محتملة في هذا البلد.
أعرب بايدن في مطلع شهر شباط عن قيام الولايات المتحدة بوقف الدعم للتحالف السعودي في اليمن، واصفا الحرب في ذلك البلد بأنها “كارثة إنسانية وإستراتيجية” وذلك قبل ثلاثة أسابيع من نشر الإدارة لتقريرها الاستخباراتي المتعلق بمقتل الخاشقجي.
استمرار الحكم الاستبدادي..
احتفى بن سلمان بالرئيس ترامب خلال زيارته إلى السعودية عام 2017، ونهج إلى توطيد العلاقات الدبلوماسية القائمة مع الإدارة السابقة التي تسعى لإضعاف إيران أيضا، وأصبح مقربا من صهر ترامب جاريد كوشنير الذي تسلم ملف الشرق الأوسط.
ولا شك بأن العلاقة القائمة بين ولي العهد وترامب في حينها قد خدمته عموما، وخاصة عندما انتشرت أنباء مقتل الخاشقجي، إذ دافع ترامب شخصيا عن بن سلمان بهدف تشجيعه على إعلان تأييده لـ”صفقة القرن” التي صاغها كوشنير، وخطة السلام الإسرائيلية- السعودية، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج وإسرائيل.
بتقديرنا إن الرجل الأقوى في المملكة الوهابية لم يعد بمنأى عن المحاسبة بعد صدور تقرير السي أي إيه، ولاسيما أن بايدن قرر مد يده إلى طهران، وثمة احتمال بالعودة إلى الاتفاقية النووية، بالإضافة إلى ذلك، فإن فرضه القيود بشأن المساعدة العسكرية للرياض ولدت لدى الأمير انطباعا بفقدان الحصانة التي تمتع بها خلال ولاية ترامب.
في المحصلة، بات ابن سلمان حليفا محرجا للولايات المتحدة، وأضحى مستقبله في السعودية، وانخراط واشنطن في عملية إسقاطه، من الأمور التي ستكشفها قادمات الأيام.
المصدر The Iran Daily