الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود :
في استعادة وجدانية للحظة تاريخية فاصلة وحدث مفصلي خالد في الذاكرة السورية والوجدان الوطني السوري تحلّ اليوم الذكرى الثامنة والخمسون لثورة الثامن من آذار المجيدة ، الثورة التي ماتزال رغم مرور كل هذه السنوات والأحداث التي عصفت ببلدنا تشكل نبراساً يضيء حاضر السوريين ومستقبلهم ، وذلك بالنظر لإرثها الغني بالإنجازات والمكاسب التي تحققت للشعب خلال سنوات الثورة الأولى وصولاً إلى الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، حيث استكمل حزب البعث العربي الاشتراكي بهذين الحدثين العظيمين حضوره الفاعل والمؤثر في جميع مناحي حياة السوريين بوصفه حزب الجماهير الكادحة من عمال وفلاحين وباقي شرائح وفئات المجتمع ، والحامل لقضاياهم والمدافع عن حقوقهم ومكاسبهم .
لقد أكدت ثورة الثامن من آذار المجيدة بعطائها الدائم والمتجدد للوطن ولأبناء الوطن كافة أن الثورة هي فعل حضاري وإنساني وأخلاقي يعطي للحياة قيمتها وللإنسان كرامته وللأمة عزتها وكبرياءها ، وليست مجرد رغبة أو طموح فئة أو مجموعة من الناس للاستيلاء على السلطة والتمتع بمغريات المناصب والمكاسب ، حيث تم تسخير كل الإمكانات الوطنية المتاحة في عملية البناء والتنمية الشاملة في البلاد ، وتم الانتقال بسورية من عصر الإقطاع والاستغلال والظلم والاضطهاد والاستعباد ، ومن عصر البرجوازية المرتبطة مصالحها بالخارج إلى عصر الجماهير وعصر الاشتراكية حيث الملكية الجماعية للأرض ووسائل الإنتاج ، فتم تأميم المصانع واستصلحت الأراضي ، وبات العمال سادة أنفسهم في معاملهم عبر نقابات تدافع عن حقوقهم ومكاسبهم ، بعد ما كانت حقوقهم مهدورة ومنقوصة ، وتم إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي وزع الأراضي الزراعية على ملاكها الأصليين ، وانتهت عصور الظلم والاستعباد التي تعود إلى حقبة الاحتلالين العثماني الفرنسي وذيولهما .
إن من يريد أن يقرأ تاريخ سورية الحديث المتوج بالسيادة والاستقلال والعزة والعنفوان والكرامة الوطنية ، لابد له أن يتوقف طويلاً عند حدث الثامن من آذار الذي أعاد لسورية وجهها العروبي الأصيل بعيداً عن زمن الانفصال والعزلة والارتهان للمشاريع الخارجية ، فقد استطاعت الثورة آنذاك أن تصحح البوصلة ، وأن تعيد لسورية دورها الريادي على مستوى الوطن العربي والعالم ، من خلال تبنيها القضايا العربية ، ودعم نضال الشعب الفلسطيني وثورته ضد المحتل الإسرائيلي الغاشم ومساندة بقية شعوب العالم الساعية للتحرر من الاستعمار ، ولو بحثنا جيداً في أسباب مؤامرات عديدة تعرضت لها سورية منذ عدوان حزيران عام 1967 مروراً بجرائم ومجازر عصابة الأخوان المسلمين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وصولاً إلى الحرب الإرهابية الأخيرة التي شنت على بلدنا منذ عشر سنوات حتى اليوم ، لوجدنا فيها استهدافاً مباشراً لكل ما تم تحقيقه من إنجازات على الصعيد الوطني سواء خلال مسيرة ثورة آذار المجيدة أو مسيرة الحركة التصحيحية المباركة التي كانت بمثابة تصحيح خلاق لمسار الثورة التي حاول بعض العملاء والانتهازيين في الداخل حرفها وأخذها بعيداً عن مصالح الشعب ، وإذا ما بحثنا عن أسباب الصمود الأسطوري لشعبنا وبلدنا في وجه كل التحديات لوجدنا سر ذلك كله في البناء المتين والشاهق الذي أرسته هذه الثورة المباركة ، لجهة تعزيز التلاحم والوحدة والمشاركة بين أبناء الوطن كافة في عملية النهوض والتنمية ، وإرساء دولة المؤسسات التي حمت منجزات الثورة وعززتها ، ودعم وتعزيز الجيش العربي السوري الذي حمل هموم شعبه وأمته ، ودافع بكل بسالة عن أرضه واستقلال وسيادة بلده في كل المناسبات وقدم أغلى وأثمن التضحيات .
إن إحياء السوريين في كل عام لذكرى ثورة الثامن من آذار المجيدة والإشادة بإنجازاتها التي شملت كل أرجاء الوطن ، يؤكد بأن الثورات الأصيلة لايمكن أن تسقط أو تموت ، مهما واجهت من مصاعب ومتاعب وتحديات ، لأنها انعكاس حقيقي لإرادة الشعب وتعبير صادق عن رغبته بالتغيير نحو الأفضل ، فالثورات الأصيلة هي عملية بناء وارتقاء بالإنسان والأوطان وسعي مستمر للإعمار والتقدم والازدهار والرخاء.. وهكذا كانت ثورة الثامن من آذار طوال ستة عقود ولهذا ستبقى خالدة في وجدان السوريين