الثورة أون لاين – أديب مخزوم :
إلى أي مدى يمكن أن تتداخل الإشارات البصرية القادمة من حالات دمج العناصر التشكيلية الحروفية ، مع اللوحة الواقعية ، هذا ما يثيره معرض الفنانة التشكيلية ريم قبطان ، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي ب “أبو رمانة” ، تحت عنوان : عشق ـ تراث صوفي دمشقي ، في خطوات بحثها ، عن نقاط التقاء أو توافق أو تصالح بين الرسم الواقعي والتشكيل الحروفي والزخرفي .
* كتابات على اللوحة الواقعية
فالتشكيل في لوحاتها يأتي من تداخل صنوف الإبداع المختلفة ، حتى إنها تضيف إلى اللوحة الواقعية أبياتاً من الشعر ( كلوحة دمشق القديمة التي أضافت عليها وبخطها الفني بعض أبيات من قصيدة لنزار قباني : أنا الدمشقي لو شرحتموا جسدي لسالت منه عناقيد و تفاح ..) ، ليس بمعنى اللوحة التوضيحية أو التقريرية أو المباشرة ، وإنما بمعنى الاستلهام التشكيلي ، الذي يفتح اللوحة على الأحلام الشعرية والتاريخية وغيرها ، بحيث تتحول العلاقة بين هذه الإشارات التعبيرية المختلفة ، في وسائلها وعناصرها الإيقاعية إلى علاقة تحاور وتداخل وتكامل فيما بينها .
وهي تتدرج في تقديم المشهد ، وبكل الوسائل والتقنيات ، من الصياغة الواقعية ، الى التبسيط والعفوية ، التي ينتهى إليها عالمها التشكيلي المفتوح على كل المواضيع والاتجاهات والتقنيات .
هكذا جعلت العلاقة متبادلة ومتداخلة بين الكلمة والرسم ، للوصول إلى الإيحاء التعبيري المطلوب في اللوحة الواحدة . ومن المفيد الإشارة إلى أن الاتجاه نحو هواجس الجمع بين عدة فنون في معرض واحد ، من شأنه المساهمة في توسيع القاعدة الجماهيرية والمساحة التذوقية ، وهذا يزيد من مساحة الحوار والالتقاء في هكذا نشاطات ، ويساهم في تقريب اللوحة من الجمهور ، وذلك لأن علاقة الجمهور العربي بالشعر عمرها آلاف السنين ، أما علاقته باللوحة الحديثة فقد بدأت منذ عقود .
وعلى صعيد الموضوعات والدلالات اللغوية ، تظهر الوجوه والطيور وخاصة الطاووس ، والجرار الأثرية والزهور والزخارف وحركة الحرف والكتابة العربية والعناصر المختلفة ، بصياغة فنية تشكيلية هندسية تبرز فيها الدوائر والخطوط الشاقولية والأفقية والزوايا والدقة الهندسية الصارمة ، وتتجاوز في لوحات أخرى هذه الصياغة الهندسية نحو تشكيلات حروفية لينة ومنسابة طلاقة وحيوية ، والواضح أن هاجس بناء اللوحة الحروفية على الصعيد التقني ، يبتعد كل البعد عن الصراخ والصخب اللوني ، ويرتكز على إيجاد نسيج خطي ولوني منتظم تدخل فيه وسائل وتقنيات تحتاج لمزيد من الجهد والجلد والصبر الطويل .
* البعد الروحي
ولقد تفهمت ريم قبطان معطيات الجذور التراثية الصوفية ، فقدمت مجموعة من لوحات الفتلة المولوية ، وكثفت من نزعتها التأملية بإضافة كتابات على هذه اللوحات ، تميزت أيضاً برزانتها وعقلانيتها وانسجامها ، وهذا الهاجس التشكيلي العقلاني ، اعتمدته أيضاً في طريقة تجسيد الأشكال المتداخلة في اللوحة الواحدة ، حتى إن الشكل قد يوحي بشكل آخر في داخله ، وذلك لأن بعض تشكيلاتها تتبع أحياناً معطيات الخيال أو الفكرة التي تنطلق منها في خطوات تشكيل لوحتها الواقعية ـ الحروفية .
وفي ذلك تقدم بعض الحلول التشكيلية الجديدة ، في خطوات استلهام العناصر المختلفة ، والقادمة من عمق الأزمنة القديمة في شرقنا العربي ، وهنا تقع تجربتها في المنطقة الوسطى ما بين معطيات التشكيل الحروفي والصوفي ، وتقنيات الرسم الواقعي الحديث والمعاصر .
وعلى هذا توازن ما بين الخط العربي والزخرفة والصياغة الواقعية لعناصر الأشكال ، لتصل إلى حالاتها الروحانية والتأملية ، كما لو أنها ترسم العناصر الإنسانية والحروفية والهندسية كمكان للقدسية والطهارة ، في لحظة غياب الحركات اللونية الانفعالية والصريحة والمباشرة ، وذلك لأنها مهما أنفعلت تبقى على علاقة بالصورة والواقع واللوحة المدروسة والموزونة والتي تحكمها في أحيان كثيرة معادلات رياضية ( وخاصة في لوحاتها الحروفية الزخرفية) .
وفي كل الحالات تبتعد كل البعد عن التشكيل الارتجالي السريع والسهل ، وتقدم مساحات عقلانية وتصل الى تقديم خطوط قلمية رفيعة أو حركات خطية مدروسة فوق طبقات اللون ، وتأخذ اللوحة من هذه الناحية المدى الطويل من تفكيرها ووقتها ، ما يعني أنها لا ترضى عن لوحتها بسهولة، ولهذا فهي تعود إليها مرات ومرات، وتختبر فيها مختلف التقنيات والحساسيات والتأثيرات البصرية ، كل ذلك بصبر وجلد وتأنٍ ودراسة طويلة .
هكذا يمكننا الاقتراب من أعمالها ، وتفهم موسيقاها البصرية أو قصيدة التأمل الصوفي أو الحركات الدورانية ، المقروءة في لوحات المولوية وبألوانها وتشكيلاتها وإيقاعها البصرية ، والمستعاد كحلم شاعري ومناخ غرائبي يعيد تشكيل الموضوع أو الفكرة أو الحكاية عبر الذهاب بالوجوه الإنسانية إلى احتمالات إدخالها مع عنصر آخر ( مثل الوجه والطاووس) ، بعد تجربة من البحث الفني والتقني المتواصل ، الذي أثمر معارض فردية ومشاركات جماعية