الثورة أون لاين:
من أكبر أخطاء العالم النامي وغير الغربي أنه يقع في شباك الصيد الناعمة التي نسجها الغرب لتكون أدوات صيد جديدة تكفيه وتحل مكان الاستعمار بشكله التقليدي ..
نعني بذلك ترويجه المصطلحات التي اصطنعها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وزاد من ضخها والعمل على ترويجها وتسويقها مع انهيار الاتحاد السوفييتي وسيادة القطبية الواحدة ..
هل فكرنا قليلاً بتحليل كل مصطلح سياسي وثقافي وفكري يسوق من الغرب ..؟
بل لنطرح السؤال التالي ثقافياً .. لماذا لا تظهر مناهج وأساليب وتيارات النقد سواء الأدبية ام الفنية إلا من خلال الغرب ..
مم تشكو التيارات النقدية التي ظهرت مع الأدب الملتزم مثلاً في الوطن العربي أو من الأدب السوفييتي ، واذا أردنا بدقة الروسي ..
هل الواقعية والواقعية الجديدة تيارات أدبية ونقدية مصنوعة من سراب ..؟.
بينما تيارات الحداثة وما بعدها التي لا شكل ولا لون لها وقد سوقها الغرب لتسود المباعة الفكرية والفنية …هل هي فعلاً الوجه الحقيقي للإبداع ؟
بكل بساطة إنها النظرة الدونية التي يعمل من خلالها الغرب ويرى الدول الأخرى من منظور أنها مجرد خرائط على الكرة الأرضية ، ومناجم للاستثمار الذي يجب أن يصب كله في البنوك الغربية ولكل دولة أو منطقة فيما يسمونه الهامش أسلوب يتعاملون به ..
ومن منا لم يقرأ ما قاله أحد الأفارقة .. بما معناه .. لقد جاءنا التبشير الغربي وشغلنا بالغيبيات لزمن طويل وحين استيقظنا مما نحن فيه كنا غرقنا فيها وكان هو قد استولى على الأرض والثروات وقطع جذورنا مع العمل والحياة ..
ومن الغيبيات إلى استعمار العقل بشكل غير مباشر فحين يعمل التضليل الغربي على ازدراء ثقافتك قيمك .. لغتك تراثك ويعمل على التشكيك بها ويقدم لك البديل .. الذي تظن أنه فعلاً المنقذ فهو يقطع كل ما يشدك إلى الحياة وإلى جدار الصد الحقيقي .. فاللغة هي خزان المعرفة والتراث والتواصل والقيم .. وحين تسلب منك لتحل محلها لغة أخرى يعني ببساطة أنك أصبحت تابعاً بقيد العبودية ليس الجسدية وحدها إنما الفكرية والقيمية وهذا أسوأ نوع من العبودية ..
أن تكون مربوطاً برسن لا تراه وتعمل على جعله أكثر التصاقاً برقبتك وجسدك .. ليظهر الأمر وكأنه سعي منك أن تكون ولو على عتبة من يشدك إلى ما يريد ..
ولا تظنن أنه يريدك أن تكون صنواً له .. لا .. بل مجرد عدد يدور في فلك ما يريد ..
يبدأ الأمر من استعمار العقل واستلابه من خلال المصطلحات ليكون في نهاية المطاف قد حقق الغايات .. ألا وهي ترسيخ فكرة أن الغرب هو المركز بكل شيء في الثقافة والإبداع والتاريخ وصناعة الحضارة ، وأن ما يقدمه لك عليك ان تأخذه دون نقاش ولا جدل ..
ولأننا نتحدث عن استعمار العقل الذي يبدأ من ترسيخ مسلمات أساسية .. هل يستطيع أحد ما أن يجيب على التالي :
لماذا وحدهم الفنانون الغربيون أعني التشكيليين هنا هم في كل كتاب فني ودراسي ..ولماذا لا ترى حضورا لفنانين من دول العالم التي يسميها الغرب دول الهامش .. ماذا عن الفن الصيني .. الروسي .. العربي .. ماذا عن فنانين عرب هم على المستوى العالمي مثل فاتح المدرس وناظم الجعفري وغيرهم …؟
وفي النقد الأدبي والرواية والشعر مثلاً .. هل وصل بدوي الجبل ونزار قباني والسياب وغيرهم إلى المكتبات الغربية ..
هل اقتحم حنا مينة مخيلة القارئ الغربي .. وماذا عن عبد الرحمن منيف وغيرهم ..
أسئلة كثيرة يجب أن تطرح بجرأة .. أليست عقدة أو مركب النقص الذي رسخه الفكر الليبرالي الغربي وراء هذا كله ..
والسؤال الملح .. كيف استطاع أن يتغلغل إلى العقول ، ما هي أدوات قصفه التي لم نرها بشكل مباشر لكن آثار خرائبها تمكنت منا ..
إنه الغزو المنظم .. غزو الثقافة والإعلام .. عبر المصطلحات ولنا عودة إليها