الثورة أون لاين – غصون سليمان:
لعل تلون وتخفي شعارات ومصطلحات الليبرالية الحديثة التي بدأت تتطور منذ خمسة عقود بشكل تدريجي وخبيث كما وصفها وشرح جذورها وفروعها سيد الوطن، وفند بدقة متناهية تداعياتها الخطيرة على جسد المجتمع، حيث لا يشعر المرء بهذا الخبث لطالما يتطور ويتسلل بهدوء إلى حيث يريد أن يتربص بالألم ويكشف أسرار الهوان والضعف بداخله المستور، ما يجعله يستسلم للهوان ويفرط بما تبقى له من قوة وقدرة.
لقد أفرزت الليبرالية الحديثة حروباً عدوانية منشطرة في كل الاتجاهات، فكرياً وسلوكياً، ما جعل سكاكينها الحادة تنغرس وتقطع في جسد الوطن، وترسم على خريطة أعضائه ما يحلو لها من انتزاع لمكامن القيم والعواطف والأحلام والأمنيات، وبما يناسب منافعها ومصالحها وغرائزها المتوحشة.
إذ من الصعب الإحاطة بأساليبها المجرمة الخادعة التي اخترقت كل جدار آمن، وفتحت في كل باب من أبواب المجتمع المقاوم والمستقر، ثقباً كبيراً ربما من الصعب ترميم فجوته بسهولة.
فأقسى ما فعتله الدول والحكومات الداعمة لعقيدة ومنظومة الليبرالية الحديثة كفكر ونهج وأسلوب هو التسويق لعملية الانحلال الأخلاقي تحت ستار الحرية الشخصية وحق المرء أن يختار في فضائه المفتوح نوع الوسادة التي يتكىء عليها وحجم طول وعرض البساط الذي يريد التمدد عليه كما يحلو له، من ممارسة الشغب والفوضى، فيصبح مفهوم الانتماء للأسرة والوطن تقليداً أعمى، حيث لعبت الليبرالية المتوحشة كنظرية عدائية على مفهوم الدين من الناحية الغرائزية، وألّبت عقول الناشئة على رفضه وتشويه مضامينه، فسوقت على سبيل المثال لا الحصر وفق ما ذكره بالدقة والتفصيل السيد الرئيس بشار الأسد في جامع العثمان، لفكرة أن الطفل لا يختار دينه بنفسه، وأن هذا تعدٍّ على حريته، فشرعت النظرية العدوة مقولة أنه يولد من دون دين، ولكن لاحقاً عندما يكبر يختار الدين الذي يريد أن ينتمي إليه، رغم تناقضه لطبيعة الإنسان، أو أن الطفل يولد لا ذكر ولا أنثى وهو من يختار لاحقاً إن كان ذكراً أو أنثى.!؟
ما هذه الإسقاطات العجيبة الغريبة والتي يتم رميها في اللاوعي عند الإنسان، كيف لهذه البدع المحصنة أن تفتك وتدمر آلية التفكير وأسلوب الإقناع.
ما هذا الضرب المخرب لإنسانية أبناء المجتمع، وفصلهم عن ذواتهم ورباطهم المقدس الأم والأب والأسرة، هذا الوطن الصغير الذي يصلح بصلاحها و يتعثر بانحلالها وتفككها، وهذا ما تطمح إليه وتتمناه أدوات الليبرالية المنحرفة عن ضوابط وثوابت وأخلاقيات المجتمع المستهدف بسهامها.
لذلك كله فمن الضروري والمنطقي أن نعمل جميعاً كأفراد ومؤسسات ومجتمع أهلي ومنظمات شعبية ونقابات مهنية، على تمتين روابط الأسرة وكل ما يحيط بها، لمواجهة الأزمات ومحاربة الفكر القاتم بصيغته الإرهابية والتكفيرية.
فالحرب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا تجد مخرجاً لها إلا من خلال تفتيت الأسرة باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وتماسكه.
من هنا كان حرص سيد الوطن على تحصين سورية فكرياً وعقائدياً، من تيارات الغزو الثقافي، وزوابع الليبرالية الحديثة، وعواصف التطبيع والخيانة، مجسداً وجدان الأمة وضميرها الحي في أحلك الظروف.