الملحق الثقافي:ألوان إبراهيم عبد الهادي
هو كتابُ، حمل عنوان ولوحات المعرض الذي كان الفنان “علي مقوص” قد أقامه عام 1919 في صالة تجلّيات، تحيّة لروح الفنان “نذير نبعة”، وفيه تتجسد الأنثى الأمّ، في لوحات الشجرة رمز الخصوبة والولادة المتجدِّدة، ربيعاً دائم الخضرة. الشجرة التي شكَّلت الطبيعة بكلِّ تجلياتها وأبعادها، فكانت محور الوجود والمحرِّك له بأشكاله المختلفة التي تبذر في الأرض أشجار الحياة والنماء، فالشجرة هي رمز الأم والأخت والحبيبة.. هي قضية الإيمان في الثنائية المتناهية في الذات الواحدة، بين الذكر والأنثى، كقوة متساوية. لوحة عاشق ومعشوقة، تظلِّلهما شجرة الحياة المغردة بطيور الحب والإشراق، أما لوحة الشجرة العظيمة المركز والقبلة لكلِّ الخلق. شجرة القداسة ووجهة الصلاة والمحبة ينبعث منها إشعاع النور، فقد تميزَّت بأفنانها وأوراقها وضرباتها اللونية التي أعطتها معانيها بكلِّ مراميها، فكانت الظلّ الضوئي المتناغم مع تنقلاتها المرسومة بأجسادِ إناثٍ متباينة الأشكال، ومتعددة الوجوه، بذرة الخصب والانبعاث لكلِّ مفاتن الحياة ومناهجها، فهي ربيعها الزاهي وبشائر الحب والعطاء والسماء والنقاء.
الشجرة التي تحمل الغيث وغيوم المطر الدافق بمواسم الأرض الخصيبة، هذه الشجرة الأصيلة المتجذرة في الانتماء، القدوة وصاحبة الريادة وكأن جذعها جسدٌ ورحم تتوالد منه كلّ الأجيال والأنساب، لتبدو هذه الأجساد في حركة دورانية روحانية، شكّل أغصانها وأوراقها بحبيبات وعشيقات يستظلُّ بفيئها جمهرة من البشر، تنجذب إليها في موشور الحياة، وكأنها نشيدٌ صوفي يراقص الولادة برقصةِ سماحٍ هي أرضٌ وطبيعةٌ وسماءٌ وصفاء، والمحور والكون على أتمّه، يتوالد غيوماً سابحة في فضاء الحبِّ مطراً غامراً. الأرض أنهار عشقٍ ونسائم فواحة بأزهار المواسم.. ثمارٌ ناضجة وفاكهة طيبة المذاق، وكأنه يرسل برقية لهذا الجمال، كيلا يعبث به أحد، وكي يصان من كلِّ مكروه.
لوحات الأشجار عند الفنان التشكيلي “علي مقوص” عزفٌ سيمفوني الإيقاع واللون، وترتقي بالأنثى حدود الإبداع. هي مسبارٌ للحياة بعمقها وعواطفها، بعملها وغدوها، شروقها وغروبها. المرأة هي شمسها وقمرها. صباحها ومساؤها، وطبيعةٍ بكرٍ المرأة هي العاملة فيها كخلية نحل في حركة دورانها ونغمها، والنحلة القائدة في ممالك النحل، عسلها شافياً وعصب الجمال يبثُّ الروح في نسغ الحياة، ولوحة العاملات في الأرض هي شجرة أوراقها أنثى ملونة في تناغم حفيفها بنسائم العطر، وهي موسيقا تتقاطر فيها جوقة العاشقات على جسر العبور للطرف الآخر، من دروب الأمل على ضفاف الوفود القادمة من الأجيال، زرعاً مخضوضراً في سهوبِ الحبِّ والعطاء.
لوحات تموسقُ هذا الجمال، وترسم خطوطه أوراقاً راقية تشذِّبها أنثى حرة تعرف كيف تقود الحياة، وكيف تسنّ مراسم الحب والدفء بين أزاهيرها، وتشيد من مائها جسور العبور، وكيف بيدها البناء والفناء، ومن رحمها تنفطر الطبيعة البكر، وتنطلق خمائل الشباب رياضاً وجناناً.
الشجرة هذه المقدسة المعشوقة والكريمة العطاء. الرمز لأنشودة الحياة الأم المُثلى.
الفنان “علي مقوص” فنان عالمي، تربَّعت الأنثى في لوحاته عرش الجمال والعشق، فكانت آلهة الخصب والحبِّ والجمال، ومحور النشأة والنماء..
التاريخ: الثلاثاء16-3-2021
رقم العدد :1037