عزا بعض المحللين السياسيين وبعض المراقبين تصريحات أردوغان بشأن ضرورة امتلاك بلده لسلاح نووي لرغبة مستجدة لدى السلطان العثماني الجديد نتيجة الدور الجيوستراتيجي الآخذ بالتوسع والتمدد لتركيا في عهده ذي التطلعات الاستعمارية والرغبة المكبوتة في استعادة وهم السلطنة، وتناسى هؤلاء عن قصد أو تغابوا بشكل مقصود أن البنية الأساسية للعثمانيين الجدد تنطلق من ضرورة البدء في مشروع توسعي لا يقف عند حدود الأناضول والبحار التي حددت الحدود السياسية لتركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
وهنا قد تكون إدارة أردوغان ذاتها من دفع ببعض الآراء والتحليلات كمقدمة لقبول الفكرة من جانب المجتمع الدولي إضافةً للكيان الصهيوني بخاصة باعتباره سيكون الأشد معارضة لتلك الفكرة وإن كان يرتبط بعلاقات جيدة مع تركيا أكثر مما تبدو في الظاهر، وهي تخفي في السر الكثير من أشكال التعاون والتنسيق وترتيب الأدوار للمضي بتنفيذ المشروعين الصهيوني والعثماني الجديد كجزء من مشروع استعماري دولي تنفذه وتديره الحكومة العالمية المتوارية خلف تكتل شركات ومصارف ومصانع تسليح وربما منظمات غير حكومية كثيرة بمظاهر إنسانية.
وهنا نذكر باهتمام بالغ أن صحيفة إكونوميست البريطانية نشرت دراسة حديثة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تفيد بأن القادة يبدون في العادة أكثر ميلاً نحو امتلاكهم القنبلة النووية، حيث إن سيطرتهم على السلطة يمكن أن تسهل عليهم من بعض النواحي تنفيذ خططهم وأحلامهم.
ولفتت الدراسة إلى أن أردوغان، على نحو متزايد، بدأ يتحدث علناً في ذلك.
وأوضحت الصحيفة أن الرئيس التركي ناقش مع أعضاء حزبه في أيلول 2019 امتلاك بعض الدول الصواريخ النووية وعدم امتلاك تركيا أسلحة مماثلة، وقال حينها خلال الاجتماع: “هذا أمر لا يمكنني قبوله”.
وهنا يدخل أردوغان العامل الخارجي في خدمة مصالحه الشخصية الداخلية استباقاً للانتخابات الرئاسية والتي يعتزم خلالها إدخال تعديلات دستورية تخدم المشروع الكبير.
الرغبة وحدها لا تكفي لتنفيذ مشروع كبير، فهل يمتلك أردوغان المقومات اللازمة لذلك؟ وهل تسمح له الولايات المتحدة وحتى روسيا التي وقعت معه عقود إنشاء محطات نووية للخدمات السلمية القيام بذلك؟ وأخيراً أي موقف سيتخذه كيان العدوان الصهيوني وهو الكيان النووي الوحيد في المنطقة؟.
أسئلة صعبة تمتلك كل نقطة فيها ما يدعمها من جانب، ويخالفها ويعاكسها ويرفضها من جانب مقابل.
بداية من المستبعد أن تدعم الولايات المتحدة الأميركية هكذا فكرة طالما أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وتحظى بالحماية والمظلة للحلف وبالتالي فإن الأمر سيكون في غاية الصعوبة، أما الكيان الصهيوني فإن معارضته ستكون أشد وأكبر مهما كانت العلاقات الاستخباراتية بين الجانبين قوية، ذلك أن النهايات غير مضمونة النتائج نظراً لأن حكومة أردوغان آيلة إلى الزوال مهما علت وتجذرت أركانها، ولن يكتب لها الاستمرار في ظل تنامي دور المعارضة الداخلية وحالة التوتر والرفض داخل المؤسسة العسكرية بعد عمليات الفصل والطرد والسجن التي مارسها أردوغان وجعل دورها هامشياً بعد حادثة الانقلاب المزعوم عام ٢٠١٥، ويبقى دور ورأي روسيا في ذات المكان والموقع من الرفض رغم التعاون السلمي لبناء محطات نووية عديدة، فمن غير المعقول أن تسمح موسكو بوجود قوة نووية على حدودها وبين البلدين سلسلة من الحروب الطويلة واختلاف المصالح وتداخلها، وكذلك ينسحب الأمر على الجار الإيراني.
بعيداً عن عدم وجود المواد المشعة الكافية كثروة معدنية ذاتية فإن توافر المقدرات غير مشجع على الرغم من ضبابية حجم مخصصات الدفاع في الموازنة العامة للدولة، وإن كانت التقديرات تذهب لتخصيص أكثر من 25 مليار دولار في موارنة العام الماضي، وهي موازنة لا تجعل هذا الموضوع ممكناً قبل عشر سنوات على أقل تقدير، وبعد هذه التصورات البانورامية للسلاح النووي التركي تبقى مساعي أردوغان الشخصية وحدها التي تدفع بهذا الموضوع نحو التنفيذ وهو بذلك يقع فريسة التفريق بين الطموح والأوهام أمام حالة شديدة الحساسية والتعقيد، وقد تضع المنطقة أمام حروب غير محسوبة.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد