الملحق الثقافي:حوار: غصون سليمان :
كلَّما اقتربتَ من خصوصيتها، ودخلت أعماق كينونتها، تدرك عظمة حضورها وقياسها لتراتبية الأشياء والعناصر المختلفة، نفضتْ عن كاهلها الكثير من الأوجاع، وبلسمت بروحها وحنانها جراحاً مستفيضة على مساحة الوطن، لتعيد إلى الذاكرة الوجدانية كلّ ألوان الطيف.
هي المرأة السورية، صاحبة الإرث الحضاري والتاريخ النضالي الطويل، الذي اكتشفنا أهميته القصوى، خلال السنوات العشر الماضية من حرب ضروس. حجمُ الطاقات الكامنة التي تحملها، والتي كانت فيها حاملة وجامعة وموحِّدة لأسرتها، وبالتالي لأفراد المجتمع والشعب كافة، ما خلق منها حالة استثنائية، بعد أن كانت تبحث في مطالبها سابقاً، عن تعديلِ بعض القوانين المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، وغيرها من ممارسة الأدوار الأخرى، لكن الوضع العام اختلف كثيراً، ما فرض عليها أن تبحث عن أدوات جديدة، لأن المرأة الموجودة حالياً، ربما تختلف عما كانت عليه سابقاً، بشخصيتها وكينونتها ومشاكلها، حيث اختلف الوضع كثيراً، وأفرز مهمات جديدة يمكن العمل عليها .
للوقوف على ما استجدَّ من تطلعاتٍ ورؤى، حول مجمل قضايا المرأة والمجتمع السوري بشكل عام، وحاجات النساء بشكل خاص، كان هذا اللقاء مع السيدة «وفيقة حسني» الوزيرة السابقة، ورئيسة رابطة النساء السوريات، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري الموحد، خلال احتفاء الرابطة بيوم المرأة العالمي في مركز ثقافي (أبو رمانة).
تؤكِّد «حسني» أن الحرب القذرة الجائرة المستمرة على سورية، والتي وصلت إلى مرحلة حسَّاسة، معقَّدة، وخطيرة ومفصلية، تحتِّم على النساء السوريات تعزيز عملهن المشترك، وأن يتحمل الجميع مسؤولياتنا الكبيرة للمرحلة القادمة، فحين يختلف الزمن وتختلف المعطيات بكلِّ ظرفٍ ومناسبة، من الطبيعي أن يتعزَّز دور المرأة النضالي، حيث تختلف أهداف النضال وملامحه.
لذلك، نطمح لأن تكون الحركة النسائية السورية موحّدة من حيث التلاقي والتخطيط المشترك، مع المؤسسات والوزارات والمنظمات المعنية، والجمعيات الأهلية، لأنه إذا لم تتوحد جميع الجهود على المستوى الوطني والمجتمعي، يصعب على الحركة النسائية أن تكون رافعة ورافدة، بعدما فرضت الظروف الطارئة، شروطها على المرأة السورية بألوان مختلفة.
أشكال الدعم
وحول قسوة وملامح السنوات الصعبة التي مرت بها المرأة السورية، وما أفرزته من معاناة ومشاكل وثيقة الصلة بها، توضِّح «حسني» بأن هذا الواقع يجعلنا نقف احتراماً لوقفتها الاستثنائية لمواجهة ما يحدث على كل المستويات الفردية والأسرية والمجتمعية، ومن جانبِ آخر علينا أن ندعمها لتواجه ما هو قائم ومستقبلي، فقد ناضلت المرأة السورية خلال مراحل طويلة وبأشكالٍ مختلفة، ووصَّفت وعملت ضد التمييز السلبي تجاه المرأة قانونياً واجتماعياً، وكان لرابطة النساء السوريات التي تأسست عام ١٩٤٨ الدور الكبير والقيادي في هذه النضالات، حيث توجَّهت بعملها إلى جماهير النساء العاملات والفلاحات والمثقفات وربات البيوت، وذلك في إطار تأكيد وجودها كشريكٍ في هموم الوطن والمواطن.
ولفتت «حسني» إلى أبرز القضايا، وأكثرها حساسية والتصاقاً بواقع المرأة اليوم، وقد لا تعالجها عدالة القوانين وحدها، حيث ظهرت مشاكل أعادت المجتمع برمَّته حضارياً، سنوات طويلة إلى الوراء، وكلّ ما أصاب المجتمع طال المرأة كما في كل الحروب، ولكن المرأة السورية ظلت الرافعة والحامية والجامعة، في ظلِّ طُهر ونُبل عطاء الشهداء الذين يسقون كلّ يوم أرض الوطن بعطر دمائهم، واستعدَّت بوعيها لترعى براعم الحياة من خلال أسرتها.
المؤشرات الأخطر
برأي رئيسة رابطة النساء السوريات، أن مفرزات الحرب العدوانية الدائرة التي طالت المرأة أصبحت أكثر تعقيداً، والمطلوب من الجميع وعلى مختلف المستويات التصدي لها.
فالأمية التي عادت مغلَّفة بأشكالٍ مختلفة، بعضها فكريّ، وبعضها قوميّ، وبعضها قبلي، هو المؤشر الأخطر، لاسيما وأن آلاف من الأطفال لم يدخلوا المدرسة، وأصبحوا اليوم شباباً مع ما شهدوه من عنفٍ وتشتّت وتهجير، وصعوبات معيشية سهَّلت خروجهم إلى دائرة الفوضى، من سرقةٍ إلى قتل وانتهاكٍ لكلّ النواظم المجتمعية.
المؤشر الثاني: هو أن الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا إسناد عائليّ رسميّ، نتيجة الفوضى المخطَّطة التي مُورست على النساء من قبل كل التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية.
إضافة لازدياد حالات الطلاق بنسب مرعبة، وارتفاع نسبة زواج القاصرات التي تجاوزت حسب بعض الدراسات 15% من حالات الزواج الكلية في بعض المناطق.
كذلك تراجع الرعاية الصحية، وخاصة في مناطق التماس، وفي أماكن النزوح رغم كل الجهود الحكومية لتقديم الممكن، ولا توجد أرقام دقيقة ترصد حجم هذا التراجع، إضافة إلى الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته جائحة كورونا، وصعوبة الحصول على الحدِّ الأدنى من متطلبات المعالجة والوقاية.
كما لا يخفي على أحدٍ، دخول مفاهيم متطرفة وخطيرة من خلال برامج تعليمية موجهة، في المناطق التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية، مج تهدّد الوحدة الوطنية .
من تلك المؤشرات الخطيرة التي ذكرتها «حسني» أيضاً، تجنيد أعداد كبيرة من الأطفال من قبل المجموعات المسلحة، تحت إغراء المال، مع ما رافق ذلك من تلقيمٍ لمفاهيمِ العنف والدموية واستسهال القتل.
تحديات كبيرة
الحرب وضعت المرأة أمام تحدياتٍ كبيرة، ولكنَّ السؤال: هل تستطيع المرأة في سورية، وهي تخرج من تحت الركام المظلم، أن تخطو قدماً نحو البناء لمناخٍ تشريعيٍّ اجتماعيٍّ متحضرٍ ديمقراطي الأسس، ليكون الرافعة لمجمل المجتمع الذي لا نعرف تماماً، رغم تماسكه، ما سيفرز للأيام القادمة، رغم كل محاولات استقرائنا لما هو آت، وذلك في الوقت الذي تنشط فيه قوى قد تأخذنا بعيداً.
ماذا سنفعل؟ هل بإمكاننا أن نتداول به جميعاً، ونعمل عليه معاً، من خلال توسيع دائرة التلاقي المثمر غير الرسمي؟.
هذه التساؤلات المشروعة التي طرحتها «حسني»، تحتّم القيام بجملة من الإجراءات حسب رأيها.
أهمها، وجوب البناء لقوانينٍ متقدِّمة تكون خطوة للأمام، بحيث لا نرى فيها المواد التمييزية، وخاصة فيما يخص المرأة، وبما يتوافق مع الدستور السوري.
التأكيد الدائم على تطوير المناهج التعليمية، من ناحية تقديم المرأة بصورتها الحقيقية كقائدة، لا النمطية كتابعة.
تسليط الضوء على التضحيات التي قدمتها المرأة، خلال الحرب العدوانية على سورية، والتي جعلت منها مثالاً يُحتذى به، وأنها قادرة أينما تواجدت، وحسب أي مستوى تعليمي، أن تكون الند والشريك والقائد، وتستطيع الانطلاق نحو مستقبل أفضل.
تركات ثقيلة
إن ثقل المهمات الملقاة على عاتق الحركة النسائية السورية الآن، وخاصة ما يتعلق بحمايتها من الاضطهاد الاجتماعي والفكري الذي يمارسه ذوو الفكر الظلامي المتشدِّد، الساعي لتأطير إمكانيات المرأة والحيلولة دون مشاركتها الفعّالة في الحياة العامة، يحتِّم على جميع القوى والهيئات الوطنية التقدمية في البلاد، أن تدرس سُبل تطوير وتنظيم النشاط النسائي، على أساسٍ ديمقراطي، وفق برامج تستوعب الطاقات النسائية الواسعة، والعمل على وحدة الحركة النسائية التقدمية داخل الوطن وعلى الصعيدين العربي العالمي أيضاً، وذلك من أجل النهوض بقضية المرأة، والوقوف بوجه المؤامرات التي يتعرض لها وطننا كلّ يوم، من قِبل الامبريالية العالمية والرجعية وكلّ أعداء التقدم.
وأوضحت عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، أن المهمات المطلوبة كبيرة، والاحتياجات لا تختصر في الحاجات المعيشية اليومية الصعبة على أهميتها وصعوبة الحصول عليها، ومدى تأثيرها، لأن المستقبل لن يرحمنا، ولن يسامحنا إذا ما توانينا عن كلِّ ما هو مطلوب منّا، داعية إلى النضال معاً، من أجل وحدة الوطن بكلّ ما يعنيه، فقد أكبر الجيش العربي السوري عزة الوطن وشموخه وكبريائه، وسطَّر بتضحياته ملاحم البطولة الإعجازية بأرقى وأبهى الصور، بين كل أطياف المجتمع السوري الذي أكَّد ومازال، على وحدة مكونات الشعب السوري .
التاريخ: الثلاثاء23-3-2021
رقم العدد :1038