دعوات وطرق تعطيل العقل وإيقافه عن العمل في جوانب ومسارات ومجالات حياتية مختلفة هي النهج الجديد لليبرالية الحديثة ومقتضى تتمثّله في كل المنابر وتجتهد في تأمين بيئته الخصبة في عالمنا العربي، وتبتدع وتبتكر كل يوم أساليب ووسائل حديثة لذلك.. وبالمقابل ماذا نفعل نحن على مستوى الأمة؟.
تداعيات الأزمة الفكرية التي تعيشها الأمة العربية والتي تنتهج الليبرالية مقوماتها من مراكز أبحاث عالمية متخصصة تصيب الأمة في مقتلها، وإذا ما بدأنا بخطوات حقيقية وفعلية لمواجهة هذا الكمّ من الفوضى والجهل والعشوائية والنظرة السطحية التي تقبع وتعشش في عقول الكثيرين نحتاج طرقاً سليمة لبناء العقول من جديد.
هندسة المباني والطرق والشوارع والمصانع والمؤسسات في المرحلة المقبلة على مستوى سورية والتي دمرّتها الحرب وتداعيات الإرهاب والليبرالية لن تكون كافية إذا ما سرنا بالتوازي مع إعادة إعمار وبناء العقول، لأنّ العقل يبقى جوهر الإنسان وسرّ استمرارية الكون وعمارته.
تنمية العقول تأتي من رفد الذاكرة بالعلوم والمعارف واستيعابها وتنظيمها أحسن تنظيم دون مزاحمة الأفكار للتباهي فقط، بل لاستعمالها في الاستكشاف الدائم عمّا ينفع الفرد وبناء شخصيته المعرفية وتحديد ميوله وأهوائه، وبالتالي تركيزه وإبداعه في مجال معين ما يزيد من معارفه وخبراته وتطبيقاته العملية على أرض الواقع، وبالتالي المساهمة الفعلية المدروسة في عملية البناء الفعّال للأوطان، وكلّنا يعلم أن سبل المعارف وطرق اكتسابها سهلة ومتوافرة لمن يعقد العزم.
وقود العقل البشري وأوكسجين الدماغ هي جملة المعارف والمكتسبات والمهارات التي تخلق فرصة الإنسان الفاعل في مجتمعه وتُترجم الخواص الإنسانية لهذا الفرد وكلّ جهد نافع يبذله يُظهر خاصية من خواصّه الإنسانية، وتدفع به ليستمتع بتلك الإنسانية التي تعمل ثورة الليبراليين للقضاء عليها، وبالتالي يبقى دوام الاقتناء للمعارف وحرية الاختيار دون تقييد تنقل الإنسان من عالمه الضيّق إلى عالم أوسع أفقاً وتخلق لديه متعة التعلّم الدائم التي أصبحت أهم ركيزة في مواكبة التطور ومجريات العصر والتغلّب على كلّ مايسيء لإنسانيته التي تريد منها الليبرالية التبعية والتقليد الأعمى.
مرحلة إعادة الإعمار في سورية بعد الانتصار الذي حقّقه الجيش السوري وصمود الشعب مرحلة دقيقة وحاسمة يجب أن تبدأ بإعادة إعمار العقل لعمارة الأرض والوطن.
رؤية- هناء الدويري