الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
“الليبرالية الجديدة” التي تهدف إلى قيادة العالم من قبل المجتمعات الصناعية المتقدمة، تسعى إلى “عولمة” فكارها الهدامة ولاسيما في بلدان العالم الثالث التي تستهدفها وتحاول تعريضها إلى مخاطر انهيار بنيوي لم تشهد مثله في أي حقبة سابقة.
ويبدو أن مظاهر هذا الانهيار الذي أصاب المكونات الاقتصادية والاجتماعية في العالم الثالث عموماً، لم يكن ممكناً لها أن تنتشر بهذا الاتساع دون تعميق عوامل التبعية والتخلف بسبب أن هذه العولمة تريد تعميم الأنموذج الغربي الأمريكي الجديد بما لا يتناسب مع ثقافات العالم الثالث.
ففي هذه البلدان أصبح الطريق ممهداً لانتشار التبعية بالعامل السيكولوجي الشكل الأكثر خطورة، لأن تكريس هذا العامل السيكولوجي سيجعل من كل مفاهيم التحرر والنهضة والديمقراطية والتنمية التي تدعو إليها “الليبرالية الجديدة” كائنات غريبة مشوهة للشخصية الوطنية لتلك البلدان، بما يعزز حالة النـزوع أو الميل نحو الاستسلام التي بدأت تنتشر في أوساط المجتمعات المستهدفة بديلاً لحالة المقاومة والتغيير، بسبب عوامل متعددة أهمها غياب العامل الذاتي، في محاولة يائسة لإذلاله واستسلامه، وضرب مشروعه الوطني، عبر دعم أمريكي لا محدود يهدف إلى تطوير دور ووظيفة قوى الاحتلال والعدوان لاسيما كيان الاحتلال الإسرائيلي وتحويله إلى كيان إمبريالي صغير في المنطقة إلى جانب دعم قوى أخرى مثل نظام أردوغان كي يقوم بدور يساعد على تحقيق المشروع الأميركي الغربي في المنطقة والعالم.
ولكن صمود قوى المقاومة، لم يسمح أن يكون الطريق سهلاً أو ممهداً أمام المخططات التوسعية الصهيونية- الأمريكية في المنطقة، خاصة وأن هذه المقاومة تضرب بجذورها في عمق الوجدان الشعبي الذي يعيش في هذه المرحلة حالة انشغال في التصدي للمشروعات المعادية والإرهاب والحصار الاقتصادي والغزو الثقافي والإعلامي.
وفي هذا السياق فإن الحديث عن كسر نظام الإلحاق أو التبعية الراهن هو حديث عن ضرورة حتمية في المستقبل المنظور لهذه الأمة، ولكن هذه الضرورة ستكون ضرباً من الوهم إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا للمخاطر التي تفرضها علينا العولمة عبر ركائزها الأساسية الثلاث، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة الدولية. (w.T.O(
مع أهمية وعينا لهذه المخاطر التي لا تتوقف فحسب عند الأوضاع الداخلية، وإنما تسعى إلى إخضاع المجتمعات وتفكيك ما تبقى من أواصر الأمة باسم الفردية أو الليبرالية الجديدة والخصخصة، بما يعزز تراخي دور الدولة وتراجع سيادتها السياسية كنتاج طبيعي لتراجع سيادتها الاقتصادية بالدرجة الأولى، بما يتفق مع مصالح الأنظمة الرأسمالية السائدة التي أصبحت تشكل اليوم أهم التعبيرات السياسية لهذا التحالف المعولم التابع منذ أواخر القرن الماضي إلى اللحظة الراهنة التي قد تستمر تحت سيطرة هذا التحالف إلى فترة أو حقبة طويلة قادمة إذا ما بقيت أدوات التغيير الوطني غائبة عن الواقع والفعل.
لذلك، فإن من حقائق هذا العصر، أن العولمة بمثل ما أدت إليه من عولمة التحديات، فإنها قد تعزز ما يمكن أن يسمى بعولمة الاستسلام في العالم الثالث عموماً، إذا لم تجر مجابهتها بوعي كامل لكل أهدافها وأساليبها الخبيثة.
وفي هذا السياق، فإن ظاهرة الإحباط أو الميل للاستسلام والخضوع تعد هدفاً أساسياً من أهداف برامج الليبرالية الجديدة التي فرضها النظام الرأسمالي المعولم، وهو ما يجب أن يؤخذ بالحسبان بحيث يتم تحصين مجتمعاتنا ضد هذه الظواهر الدخيلة لمنع حدوث هذه التأثيرات.
وهو ما يؤكد تطابق كامل بين أهداف الليبرالية الجديدة مع أهداف المشروع الصهيوني القائم على الاحتلال والعدوان والهيمنة، ومحاولة إخضاع المنطقة لمشروعاته العنصرية، ولذلك فإن المعركة مع المشروعين هي معركة واحدة ولا يمكن تجزئتها.
