تطرح التجارب النحتية السورية الحديثة، إشكالية التعامل مع الوجوه والأجساد، ضمن النهج الحامل في أكثر الأحيان ملامح تقليدية واقعية، سبق أن ظهرت في تجارب رواد النحت السوري الحديث منذ أكثر من نصف قرن، مع محمود جلال وجاك وردة وفتحي محمد وغيرهم.
فمنحوتة الأجساد والوجوه لا تزال (في أكثر التجارب المحلية) تسجل الحوار الأول مع الصياغات الواقعية والتقليدية، وهذا ساهم إلى حد بعيد في تفوق اللوحة على المنحوتة في المحترفات السورية، بعد أن كان للنحت الأهمية الأولى على مر كل العصور القديمة.
ولقد سعى بعض فناني الرعيل الأول (من جيل الحداثة) إلى الذهاب باللوحة أبعد من الإشارات الخارجية للموضوع (في اتجاهاتها التعبيرية والانطباعية والتجريدية المشرقة..) في خطوات تجسيد روح الشكل بمنظور مغاير لما تراه العين في الأبعاد الثلاثة.
ومن أبرز التجارب الفنية التي ظهرت في الثلاثينات والأربعينات تجربة ميشيل كرشة، حيث اتجه إلى التبسيط في المعالجة التشكيلية، وحاول إبراز تبدلات اللون والضوء في ساعات النهار، حين كان يرسم المشهد في الهواء الطلق، ومن هنا يمكن تفهم بدايات اللوحة الانطباعية السورية.
والتبسيط أو الاختزال قاد بعض الفنانين السوريين فيما بعد أهمهم (نصير شورى وناظم الجعفري) إلى الإحساس بروح الإبداع، وبالتالي الدخول إلى بنائية عفوية وغنائية للمشهد، ولقد وصلت تجربتهما إلى أسلوب عفوي غني بالألوان المحلية، وبالحركات والإيقاعات اللونية الانفعالية والمتحررة.
بعد ذلك تتابعت المغامرات الفنية في المحترفات السورية، ووصلت إلى حدود التعبيرية مع فاتح المدرس في نهاية الخمسينات، وحدود التجريدية مع محمود حماد الذي كان سباقاً في عرض بعض أعماله التجريدية خلال عام 1963، ولا يمكن أن نتجاهل دور أدهم إسماعيل الريادي.
وإذا كانت التجارب التشكيلية التصويرية التي تتعامل مع الريشة واللون واللوحة قد استوعبت خلال الستين سنة الماضية كل التيارات التشكيلية الحديثة، التي عرفتها عواصم الفن الكبرى، ووصلت إلى اتجاهات أو أساليب مميزة وخاصة بكل فنان على حدة، فإن التجارب النحتية عجزت عن إيجاد خصوصيات في أكثر الأحيان (رغم وجود بعض الاستثناءات) وبقيت تدور في حدود الصياغات المألوفة والرتيبة والمتشابهة، والقريبة أحياناً من المجسمات الهندسية، البعيدة عن روح الخلق والإبداع والابتكار.
رؤية – أديب مخزوم