تدفع إدارة بايدن الأوضاع في المنطقة والعالم إلى المزيد من التعقيد والتوتر، ورفع مستوى الاشتباك والتصادم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، ما يشير إلى إمكانية تسخين أجواء الحرب الباردة التي يشعل بايدن نيرانها بسهام سياسة التصعيد العشوائية التي يطلقها على مختلف الجبهات الدولية، من روسيا إلى الصين، مروراً بإيران ودول محور المقاومة في المنطقة، ما ينذر بتوسيع ساحات المواجهة في المنطقة والعالم.
ما يحدث بين الولايات المتحدة ودول “الناتو” من جهة، وبين روسيا من جهة ثانية، ربما يشير إلى ماهية الاستراتيجية العدائية التي تعمد إدارة بايدن على ترسيخها خلال المرحلة القادمة، فمحاولة استهداف روسيا عبر الخاصرة الأوكرانية قد تخرج في أي لحظة عن سياق الضغط والابتزاز، حيث التهديد الغربي المتصاعد، لم يترك لروسيا سوى خيار المواجهة واتخاذ احتياطات عسكرية مناسبة في ظل التلويح الأميركي والأوروبي بإرسال قوات عسكرية إلى أوكرانيا تحت ذريعة ” مساعدتها”، كذلك فإن المساعي الأميركية والأوروبية لنشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى على تخوم الحدود الروسية في أوروبا، وفي مختلف مناطق العالم يجعل من موسكو مضطرة لتعزيز وسائلها الخاصة بالتجاوب مع تلك التهديدات الصاروخية وفق ما أكدته الخارجية الروسية، وهذا بطبيعة الحال لن يكون في مصلحة الاستقرار والأمن الدوليين من جهة، وفي مصلحة الأمن الأميركي والأوروبي من جهة ثانية، فإذا كان بإمكان أميركا وأتباعها الأوروبيين البدء بأي حرب محتملة، فبكل تأكيد لن يكون بمقدورهم إنهائها لمصلحتهم، وهذا ما يؤكده واقع حال المعادلات الدولية الجديدة، وهي لا تميل لمصلحة أميركا وتحالفها الغربي.
اجتماع فيينا اليوم، لن يكون بدوره بعيداً عن مرمى الاستهداف الأميركي، لجهة سعي إدارة بايدن إحراج إيران في ملفها النووي، عبر طرحها شروط جديدة لتعديل نص الاتفاق مقابل رفع جزئي للعقوبات، وهو ما ترفضه طهران بشكل قاطع، وهذا الاجتماع ربما يكون حاسماً لتحديد توجه هذه الإدارة نحو نكث وعودها، وبالتالي استكمال نهج التصعيد، أو الامتثال لقواعد القانون الدولي التي تلزم واشنطن بالعودة إلى الاتفاق من دون أي شروط، كونها هي من انتهكته، والدلائل تشير إلى أن بايدن الذي اعتمد أسلوب المراوغة والكذب، سيدفع فريقه المفاوض للالتفاف مجدداً على نص الاتفاق، بموازاة تقديم الجانب الأوروبي ذرائع جديدة لمواصلة التملص من تعهداته وعدم الإيفاء بها، وهذا الاحتمال يعززه نزعة التسلط الأميركية والأوروبية الرافضة لفكرة التعايش مع الأمر الواقع الجديد الذي فرضه بروز قوى دولية صاعدة ومؤثرة على المسرح العالمي، فما ينطبق على روسيا والصين على هذا الصعيد، ينطبق كذلك على إيران.
إدارة بايدن تهيء الأجواء الدولية لمزيد من النزاعات التي قد تولد حروباً جديدة، وهي حضرت كل أدواتها وحوامل مشروعها الاستعماري، وأحيت مبدأ ” التكتلات” العسكرية- و”الناتو” أنموذجاً- بقصد إعادة ترتيب موازين القوى العالمية بما يتناسب مع نزعتها نحو الحفاظ على هيمنتها الأحادية، ولكن هل أخذت هذه الإدارة في حساباتها ارتدادات الفشل؟.. لو فعلت، لكانت اتعظت من فشل سياسات إدارة ترامب السابقة، وعمدت لتصحيح أخطائها، بدل العمل على مراكمة تلك الأخطاء، حيث تسريع الخطا نحو تدمير العلاقات الدولية، وتهديد الأمن الاستراتيجي العالمي لم تجن من ورائه الولايات المتحدة سوى المزيد من كراهية الشعوب لها، والدفع بالدول المستهدفة بإرهابها لتعزيز تحالفاتها، ولا شك بأن توحيد هذه الدول لجهودها وقواها، كفيل بردع سياسة البلطجة الأميركية، ووضع حدّ لتمردها على القوانين والشرائع الدولية.
من نبض الحدث- ناصر منذر