الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
أن تكون سوريّاً، يعني أن الأرض التي تنتمي إليها، هي الأم التي ربّتك على الحبِّ، إلى أن كبرتَ معرَّفاً بها، ومتسربلاً بوردها، وأن كبرياء الحياة التي أهدتها إليك، لا ينكسر أو ينحني، أو يعتلُّ أو يدلّ، إلا على أنّك السنديانُ المتجذّر أصالة في عمقِ أعماقها.
هي ذاكرة الأسرار التي أودَعَتها بأمانتك، بعد أن جعلتكَ أمانة التاريخ الذي رفعتهُ مكانتك.. أرادته ألا يدع ذاكرته الناطقة، تبوح إلا بأبجديةٍ لا تُغريها أو تُلغيها، جميع أبجدياتِ العالم، ومصطلحاته المنافقة والنافقة.
أهديتَ صفحاته الجدوى، فأهداكَ الموت والبلوى، رغم أنه تعنون بكَ، فرصّعتَه ببلاغة ألمك. تألّق بمدادك وكانت محبرته، دماؤك التي روته فخلّدته. أيخونُ التاريخُ يا تُرى؟!!.. حتماً أنتَ أدرى.
أن تكون سورياً، عليك أن تنقذ من حرائقِ أفكارك، حقيقة من أنت، وأيّ حضارةٍ أنجبتك، وأن تغالبَ الفجائع المتتالية والضارية، مؤكّداً أنك من ألهمَ أيوب الصبر، والتعافي من الجراحات غير الرحيمة، في جعلك تنزفها على مدار الساعة والدقيقة والثانية..
غير الرحيمة في إصرارها على احتضارك في وطن، ينبضُ فيك فتحيا باسمه ولا يعنيك، إلا أن تبقى ساكناً ومسكوناً بهيبته.. بعنفوانه وجبروته وشجاعته.. بروحه وفوحه.. بضميره ومصيره.. وطنٌ لا يأخذ وإنما يعطي، يجود بالحياة فيحيا، ويسري في جيناتك الوراثية.. يتجدّد فيتوعّد، كلّ من أراد الموت يسود فيه، وكلّ من تسابق ليهديه، زمرَ دمٍ موبوءة وجرثومية.
لا تقنط من رحمته بك، صلّي لأجله خاشعاً، يرتدُّ صوتك:
«أنا ابن النور، شاءَ من شاء، ومن أبى، سوف يشاء.. أنا روح الأرض المتوغّلة في حقيقتي.. تؤكّدني صباحاتها، والصباحات وجه سوريَّتي، أصحو أجدني أشرق منها، وإن أغفو فوسادتي عافيتها..
أن تكون سوريّاً، عليك أن تؤمن بكلِّ هذا، دون أن تغضب، أو تعتب، أو حتى تسأل، رغم احتشادِ الأسئلة فيك: متى، وأين، وكيفَ، ولماذا؟..
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء13-4-2021
رقم العدد :1041