الثورة أون لاين- فردوس دياب:
الجلاء ذكرى عظيمة لشعبنا البطل الذي صنع ولا يزال يصنع المعجزات بكل أبنائه، رجالا ونساء، الذين أثبتوا أنهم أبناء هذه الأرض الطاهرة الذين لم ولن يخذلوها برغم كل المؤامرات والخيانات والطعنات.
المرأة السورية كان لها دور كبير في صنع الجلاء، ودورها في تلك الفترة التي سبقت جلاء المحتل عن أرضنا لا يختلف عن دورها اليوم في محاربة الإرهاب والدفاع عن تراب الوطن، فكانت جنباً الى جنب في كل ميادين القتال والتضحية والعطاء.
لقد كانت النساء السوريات مع طليعة المناضلين والأحرار الذين خرجوا مطالبين بخروج المستعمر الفرنسي وكان ذلك منذ بداية الثورة السورية الكبرى عام 1925 التي عمت أرجاء الوطن، وقد سجل التاريخ بكل فخر ما قامت به المرأة السورية من نضال ومشاركة في جميع أدوار الصراع ضد المستعمر الفرنسي منذ بداية الاحتلال حتى الجلاء، وقد برزت مناضلات اشتهرن بمقارعة المستعمرين في كل المحافظات السورية و كن يتقدمن العديد من المظاهرات ويحرضن على المقاومة ويشكلن الجمعيات والمنتديات النسائية للدفاع عن حقوق الشعب والوطن في الحرية والاستقلال.
في عام 1919 شهدت دمشق أول تظاهرة نسائية تهتف بسقوط الاحتلال، ثم توالت فيما بعد بطولات النساء في مقارعة المستعمرين وفي كل المدن والمحافظات، حيث جعلت المرأة من ثوبها مكانا لإخفاء السلاح و المؤن ونقلها إلى المناضلين في كل مكان. واستشهدت كثيرات منهن ونذكر منهن حسب الوثائق في دمشق سلمى بنت محمد ديب قرقوره التي قتلت في معركة الصالحية في دمشق وهي تحمل العتاد للمقاومين، ونايفة خلف الجابر التي استشهدت في مقاومة الفرنسيين عام1922، وام عبده من أهالي باب الجابية التي كانت تساعد الثوار وتنقل لهم السلاح والقنابل في سلال الفاكهة، وقد اشتركت مع المقاومين في معركة قصر العظم التي جرت وقائعها يوم 19 تشرين الأول عام 1925 عندما قام المفوض السامي الفرنسي بزيارة القصر.
كما نذكر بطولة السيدتين زهيرة شكير وزينب الغزاوي من قرى الغوطة اللتين كانتا تحاربان مع الثوار في معارك الغوطة حيث استشهدت شكير، فيما استشهدت زينب الغزاوي في معركة ميسلون.
وفي ثورة جبل العرب ضد الاستعمار بقيادة سلطان باشا الأطرش برز عدد كبير من النساء الشجاعات اللواتي كن يتنقلن بين صفوف المقاتلين وخلف خطوط القتال، كما شارك بعضهن في القتال كأشجع الرجال حتى بلغ عدد الشهيدات في جبل العرب ومعاركه خمسا وتسعين شهيدة سطرن أروع ملاحم البطولة والوطنية.
وفي الثورة التي قادها المجاهد صالح العلي شاركت النساء بشجاعة في القتال ،وبرز من بينهن زوجة صالح العلي (حبّابه) التي شاركت مع زوجها في خوض المعارك الوطنية، حيث كانت تملأ له البندقية وترمي الأعداء بالرصاص، وتحسن إصابة الهدف، وتشجع المحاربين وتقوي فيهم روح التضحية.
وفي هذه الثورة اشتهرت رنده الملقبة بالفارس الملثم وهي من أشهر النساء اللواتي ناضلن في الثورة السورية، والتي رفضت أن تزف إلى خطيبها قبل أن تزف بشرى الانتصار على الغزاة، وبعد أن استشهد خطيبها تابعت بعده خوض المعارك حتى سقطت شهيدة الوطن، وفي معارك الجنوب في جباتا الخشب استشهد العديد من النساء أيضاً مثل فاطمة الرحّال، وخديجة بنت صالح مريود، ومريم بنت إبراهيم، ومريم بنت مخول الفحيلي.
وفي عام 1945 قبيل الجلاء، حين عم الإضراب المدن السورية و أقفلت الأسواق وتوقف العمال عن العمل، اندفعت المرأة السورية تجمع المال والطعام وتوزعه على أُسر العمال كما قامت بتنظيم المظاهرات النسائية ضد الاحتلال الفرنسي رغم الإرهاب الذي واجهته، وفي الـ 29 من أيار من العام نفسه وتحديداً عندما قصف المستعمر الفرنسي مدينة دمشق ومنع التجول خرجت المرأة من بيتها وشكلت فرق الطوارىء التي طافت الشوارع وأسعفت الجرحى وقدمت المساعدات لعائلاتهم.
لقد أثبتت المرأة السورية حضورها في كافة المعارك الوجودية التي خاضها شعبنا ضد المستعمرين والغزاة، وها هي اليوم تخوض مع الرجل معركة المصير ومعركة الدفاع عن الوطن وصون ترابه ووحدته حيث قدمت أسمى التضحيات والعطاءات والبطولات.