الملحق الثقافي:ثراء الرومي:
كم نُتقنُ الوثب العالي إذ ندركُ أنّ جدراناً صمّاءَ عاليةً تعترض سبيلنا في كلّ خطوة. أيّ لهاث ينتظر كلّاً منّا في معظم مفاصل الحياة، وقد غدونا عدّائين بارعين، نكاد نحطّم أرقاماً قياسيّة في كلّ مرحلة.
العمرُ يهرول وقطار الزّمن يصفر مسرعاً، ونحن نواصل عَدْوَنا ولهاثَنا المحموم خلفه، لنحظى بمحطّة هنا ومحطّة هناك. محطّةٌ يكاد بلوغها يكون مستحيلاً لسدّ رمقٍ وتحصيل أدنى حدودِ عيشٍ كريم، في بلدٍ تناهبَتْ خيراتِه غربان الخارج والدّاخل بلا هوادة. ومحطّةٌ لولوجِ عتباتِ حلمٍ دراسيّ أو اجتماعيّ، ثمن تذكرتها سنوات طويلة من العَدو السّريع والوثب العالي، وما يتخلّلهما من عذابات.
يخطئ أحدنا إن اعتقد أنّ الحياة ستهبه فرصةً للرّاحة أو التأمّل أو حتّى اللّحظات الجميلة، إن لم يصنعْها بنفسه أو ينتزعها من بين براثنها. يخطئ من ينتظر من دوّامة الحياة أن تتمهّل في ابتلاع وقته وجهده، قبل أن تبتلعه هو نفسه، إن لم يتشبّث بشغفه وسط كلّ الضّغوطات.
حتّى الحزانى – وما أكثرهم في بلادي- إن جمَّدوا ساعة القلب عند أحزانهم الكبيرة، فسيمضي عقرب الزّمن تاركاً إيّاهم على قارعة ماضٍ لا يدري به سواهم. فالآخرون مشغولون بالهرولة مع عقاربَ شامتةٍ، لا تلتفت أبداً إلى من تدهسه في طريقها إلى إعلانِ ولادةِ ساعةٍ جديدةٍ، في ذلك القطار السّريعِ المُسَمّى بالحياة. ولعلّ مفتاح بلوغ كلّ تلك المحطّات هو شغفنا، وإيماننا بما نملك، وطاقةُ الحبّ فينا.
ربّما سرقت الحرب منّا ما لا يُحصى، فثمّةَ من شيّع طفولةً لم يعشها، ومن شيّع أجمل سنيّ الشّباب، وكثيرون من شيّعوا مراحلَ مجتمعةً اختزلوها بمن فقدوهم، ولكن، ليس علينا أن نشهر إفلاسَ إرادةِ الحبّ والحياة، فبِهِما يمكننا اجتراح المعجزات.
وكما قال الرّاحل الكبير سعد الله ونّوس: «نحن محكومون بالأمل»، فلنبحث عن الجمال والأمل وسط بشاعة كلّ ما يحيط بنا، وليكن الحبّ هو سبيلنا الأمثل، فللحبّ عينان لا تبثّ قزحيّتاهما إلّا ألوانَ الجمال. ونحن الأجدر بحصاد مواسمِ جمالٍ، غرَسَها فينا انتماؤنا لهذه الأرض الطّيّبة.
التاريخ: الثلاثاء27-4-2021
رقم العدد :1043