قبل أن يتم اغتيال الكثير من دور الإعلام كجهة رقابية حقيقية، وحين كان المسؤول يحسب جيداً لأي كلمة تكتب عن المؤسسة التي يديرها، طبعاً بمعنى النقد الحقيقي، حينذاك – كان الكثيرون حين تعترضهم مسألة ما، يلوذون بالإعلام، ويرددون الجملة التي غدت على اللسان: (اكتبوا بالجريدة عنا، اكتبوا ..)
التلويح بالوصول إلى الإعلام أدى خدمات لايمكن لأحد أن ينكرها، وبغض النظر كيف تمت عملية التدجين بدءاً من ترديد مقولة (حكي جرايد ) التي أظن وبعض الظن هنا شبه يقين أنها قد بدأت على ألسنة الكثيرين ممن كان يخيفهم الدور الإعلامي، وكان أن كرجت السبحة حتى غدت المقولة متداولة، لتصل إلينا في الإعلام ويبدأ السؤال المر: ما نفع ما نكتبه، ماجدواه، وكيف يمكن ان يتحول إلى قرارات على أرض الواقع، بل بصيغة ثانية: هل من يتابع الآن ويتحقق ويرى بعين الحقيقة مالايراه بعينه هو، لأن عين الرضا عن كل ذنب غضيضة .
اليوم شط الأمر أبعد مما كنا فيه، بعد أن جف حبر الصحف، وكانت الانعطافة التي لا أحد يعرف لماذا حدثت نحو المواقع الالكترونية على أهميتها، وضرورة تكاملها مع ألوان الإعلام الأخرى ..ومع ذلك مازال الدور الذي يؤديه الإعلام مهماً وفاعلاً، بل يزداد قوة حين نحسن استخدامه، يؤمن به الصغير قبل الكبير، ويؤمن به من يعتقد واعتقاده يقين أن يداً حانية تتابع وتعرف ما يجري، ولكن ثمة أولويات لابد أن تنجز ..
الدور الذي يزداد كل ساعة لابد أن تتسع مروحة المضمون والموضوعات التي يتناولها الإعلام ليس فقط جردة حساب ساعية لنشاط هذا المسؤول أو ذاك، وضخ المزيد من الصور والمقاطع المصورة _ هذا كله ضروري – ولكنه ليس الأهم في مسألة الدور الإعلامي الذي يجب أن يكون الآن تنويرياً وتربوياً وتثقيفياً، هذا الدور نكاد نفتقده ..ولاسيما في الإعلام الموجه للطفولة التي تركناها حبيسة التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي .
تركنا الآخر يتسلل إلى غرف نومنا وعقول أطفالنا، لم يدخل من أي جدار هدمه، بل نحن فتحنا له نوافذنا، وأفسحنا له المجال ليكون الأم والأب والمربي، وبالتالي ليرسم لنا غدنا كما يحلو له .. منذ أيام تتصل بي حفيدتاي وتسألان: ماذا تفعل ؟
أرد: أكتب زاويتي، وماذا تكتب فيها؟ أكتب فيها عن سورية، وينطلق سؤالهما التالي: هل كتبت عنا أننا نحب سورية كثيراً؟
نعم، فعلت ذلك، أكتب عنكما لأنكما تمثلان عندي كل أطفال سورية، وكل طفل سوري أراه هو انتما، نعم أكتب ذلك ليستمر الحديث: (طيب جدو بدنا تجيب الجريدة لنا) كان الصمت سيد الموقف، نعم يوماً سأفعل يوما ما، طيب نرى الكتابة على (الموبايل) لا جدو، نريد أن نحتفظ بالجريدة …لا عليكما، ثمة من يحتفظ لكم بذاكرة غبارية تمحوها كبسة زر، لا تشغلا بالكما بهذه القضية، لابد أن يوماً ما سيحمل لكم صحيفة ورقية، قد يطول الانتظار، وقد يقصر، ولكنه يجب أن يكون قادماً، من يخطط، من يرسم، من يقرر، لا نعرف متى وكيف ..آخر من نعلم …وعلى رأي بعض المسؤولين (حكي جرائد) لكن هذه المرة يمكن أن يمحى بلمح البصر.
معاً على الطريق – ديب علي حسن