وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن يعترف بأن “بعض” التصرفات الأميركية في السنوات الأخيرة قوضت النظام العالمي، وهذا الاعتراف يشير إلى إقرار ضمني بفشل السياسة الأميركية، وعجز القائمين عليها بفرض قانون شريعة الغاب التي حاولت الإدارات الأميركية تعميمه كبديل عن القانون الدولي، وهذا الفشل نشهد تداعياته في الكثير من الساحات الدولية التي أشعلتها الولايات المتحدة بنيران الحروب والفوضى الهدامة، من دون أن تحقق أهدافها الاستعمارية، وهذا الاعتراف ربما يشكل بداية السلم للنزول عن الشجرة، والتسليم بواقع انكسار مشاريع الهيمنة الأميركية على العالم.
إدارة بايدن بدأت عهدها الجديد بإحياء التحالف بين ضفتي الأطلسي لمواجهة روسيا والصين، وإعادة تثبيت موقع الولايات المتحدة في قيادة الغرب، والاستعانة بأوروبا للحفاظ على هيمنتها العالمية، ولكنها وقفت عاجزة أمام التحالفات المتنامية بين جميع الدول التي أدرجتها في خانة ” الخصوم والأعداء”، ولم تستطع هي وحلفاؤها تغيير مسار التوازنات الدولية الجديدة، وقد رضخت للدور الروسي في الكثير من الملفات الدولية، وباتت تنتظر موافقة الكرملين على عقد لقاء قمة مع موسكو، وتحاول إيجاد مقاربة جديدة مع الدور الصيني المتعاظم، تجنبها الدخول في دوامة التصادم المباشر، وتتجه نحو الخضوع الكامل للشروط الإيرانية في فيينا، وهو ما بات يملي عليها الكثير من الترتيبات اللازمة للحفاظ على هيبتها، وهذا ما نلاحظه من خلال الدفع بوكلائها في المنطقة لتهيئة المناخ الملائم للتعايش مع الواقع الجديد.
من هنا فإن التحركات السياسية المتسارعة في المنطقة، تشي بالكثير من المتغيرات القادمة، وهي تأتي من باب محاولة وكلاء المشروع الأميركي تحقيق الحد الأدنى من المكاسب السياسية في ظل التحولات التي فرضتها معادلات القوة الجديدة، فثمة تسليم غربي واضح بأن دمشق ما زالت المحور الأساسي في المنطقة، وأن الاستمرار في العبث بأمنها واستقرارها، سيجهز على كل المصالح الأميركية والأوروبية، ولذلك فإن طرق أبواب الحوار معها مجدداً سيجنب الدول المتآمرة ضدها المزيد من الخسائر السياسية، لاسيما أن المشروع الصهيو-الأميركي تقهقر برمته على أبوابها، و”صفقة القرن” التي تمزق بقاياها هبة أهالي حي الشيخ جراح، وانتفاضة القدس، هي من مفرزات الصمود السوري، ومن تداعيات الفشل الأميركي في الحرب الإرهابية التي هيأت لأجواء التطبيع المجاني، الذي عجز بدوره عن منح الكيان الصهيوني شرعية وجوده الاحتلالي.
جنوح بعض دول المنطقة لمد جسور الحوار مع إيران، هو أيضاً انعكاس للفشل الأميركي، وللعجز الصهيوني في تثبت قواعد اللعبة في المنطقة، واعتراف غربي واضح بالدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية، وهذا الاعتراف هو ثمرة الصبر الاستراتيجي لمحور المقاومة ككل، والذي قاد بدوره نظام اللص أردوغان لخطب ود بعض الدول العربية التي أظهر لها العداء، بعدما أسقطت دمشق مشروعه “الإخونجي” الإرهابي الذي حاول من خلاله التسيد على دول المنطقة من البوابة السورية.
مشاريع الهيمنة الأميركية باتت تتصدع على كل الجبهات الدولية، وهذه حقيقة يشهد العالم فصولها الأخيرة اليوم، فهل يكون اعتراف بلينكن مقدمة لتغيير النهج الأميركي المتغطرس، وإيجاد مقاربة جديدة في التعاطي مع الملفات الدولية، تحفظ للولايات المتحدة بعضاً من هيبتها المتآكلة؟ أم هو خدعة جديدة لإعادة ترتيب استراتيجية الهيمنة الغربية وفق قواعد وألاعيب أخرى؟
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر