الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
يحيي شعبنا الفلسطيني المقاوم في الداخل والشتات هذه الأيام الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة، الجريمة التي بدأ التخطيط لها قبل بداية القرن العشرين ودخلت حيز التنفيذ في الخامس عشر من أيار عام 1948، وهو يعاني اليوم أحد أسوأ فصول هذا الحدث التاريخي المؤلم، أي تهجيره من وطنه ومحاولات اقتلاعه من أرضه ومقدساته، حيث أعادت سلطات الكيان الصهيوني خلال الأسابيع الماضية نكأ جراح الفلسطينيين مرة جديدة عبر عزمها تهجير أهالي حي الشيخ جراح المقدسي من بيوتهم وأرضهم في إطار مشروعها لتهويد مدينة القدس والهيمنة الكاملة عليها عبر بناء المستوطنات غير الشرعية المحتلة وطرد ما تبقى من سكانها العرب تمهيداً لإعلانها عاصمة موحدة للكيان الغاصب، ليأتي إحياء الذكرى لهذا العام شاهداً حياً على عمليات الترانسفير الصهيونية المستمرة بحق الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، ودليلاً قاطعاً على الجهة التي اعتادت على ارتكاب الجرائم والمجازر والانتهاكات بحق أصحاب الأرض الشرعيين، غير آبهة بالقيم والأعراف الإنسانية أو بقوانين الشرعية الدولية التي تطالب “إسرائيل” بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران عام 1967 والسماح للشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ومستقبله على أرضه ومقدساته.
تكاد ذكرى النكبة لهذا العام أن تكون مختلفة عن سنوات سابقة، لجهة وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي ال 48، وكذلك بلدان اللجوء القسري وابتعاده عن كل عوامل الفرقة والتقسيم، حيث أبدى الجميع تضامناً كاملاً مع أبناء حي الشيخ جراح لتواجه حكومة الاحتلال أسوأ كوابيسها، ولا أدل على ذلك من الأصوات التي ارتفعت داخل الكيان الغاصب وحذرت من خطورة الأزمة الجارية على مستقبله، فالانتفاضة التي بدأت بأحد أحياء القدس سرعان ما امتدت إلى الضفة القطاع وأراضي ال48، مع تطور ملحوظ في أداء فصائل المقاومة الفلسطينية التي ردت على اعتداءات العدو وجرائمه وأمطرت مستوطناته ومراكزه الأمنية والعسكرية بوابل من القذائف والصواريخ التي لم تستطع كل دفاعاته الجوية المتطورة وقبته الحديدية المزعومة حماية قطعان مستوطنيه، بل دفعت بهم إلى الملاجئ، والرعب والخوف يملأ قلوبهم فيما صفارات الإنذار تدوي في الكثير من مطاراته والمدن الفلسطينية المحتلة كاللد وعسقلان وأسدود وإيلات وبئر السبع وغيرها، في حين تم تحويل الكثير من الرحلات المتجهة إلى المطارات الصهيونية إلى دول أخرى، بفعل صواريخ المقاومة التي تجوب الأجواء الصهيونية وتصل أهدافها، في حين دخلت طائرات المقاومة المسيرة على الخط لتربك حسابات العدو وتجعل داعميه الغربيين وخاصة الولايات المتحدة يتوسلون فصائل المقاومة لتوقف قصفها على الكيان، متجاهلين المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين الآمنين في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تجاوزت حصيلة الشهداء حاجز المائة شهيد فيما جرحى الاعتداءات بالمئات، في حين تقوم الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية بتدمير المباني والأبراج السكنية والبنية التحتية في عقاب جماعي لكل أبناء الشعب الفلسطيني لأنه وقف يدافع عن نفسه ويطالب بحقوقه المشروعة.
اليوم ونتيجة للتطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة، والجرائم التي ترتكب بحق شعبها المظلوم في ذكرى النكبة، تتضح أكثر فأكثر طبيعة هذا الكيان الغاصب الذي أنشأ كيانه المجرم على حساب شعب عمره آلاف السنين، فهذا الكيان الشاذ اللقيط لا يعنيه السلام، بل هو دائم البحث عن المشكلات والحروب في إطار تنفيذ مشاريعه العدوانية الاستعمارية وتحقيق أطماعه التوسعية التي تتجاوز المنطقة، وهو دائم التطلع لاغتصاب أراض جديدة إذ ما زال شعار “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” متداولاً في الأوساط الصهيونية، وهذا ما يفسر محاولاته العبثية في شمال سورية والعراق وكذلك في جنوب السودان وصولاً إلى إثيوبيا، في الوقت الذي تمارس أجهزته الاستخباراتية عمليات الاغتيال والتخريب في أماكن ابعد من ذلك لخدمة نفس المشروع الاستعماري التوسعي.
تبدو ذكرى النكبة لهذا العام فرصة سانحة لتعميق أزمة الكيان الصهيوني الذي يعيش قلقاً وجودياً بسبب تشرذم مجتمعه واحتراب أحزابه الرئيسية وسعيها للسلطة، حيث لم تفلح أربعة انتخابات للكنيست في تمكين أحدها من تشكيل حكومة، وإذا كان الإرهابي بنيامين نتنياهو يحاول إنقاذ نفسه عبر التصعيد وإشعال النيران في فلسطين والمنطقة، فإن لدى الشعب الفلسطيني المقاوم القدرة على إخراج نتنياهو نهائياً من الحياة السياسية وإرساله إلى مزابل التاريخ، ولديه فرصة مواتية لتحصيل المزيد من حقوقه المشروعة، ولا خلاف في أن تمسك الشعب الفلسطيني بقضيته العادلة وتجذره في أرضه ووقوفه خلف مقاومته الشجاعة سيعزز وحدته أكثر ويحصن حقوقه الوطنية من الضياع، ويجعل فلسطين أقرب إلى الحرية والتحرر من رجس الاحتلال.