الثورة أون لاين-علي الأحمد:
هي موسيقى غابت أو غُيّبت عن المشهد الموسيقي المعاصر، بسبب طوفان الأعمال التجارية المعمّمة بسلطة وسطوة المال الفاسد، بالرغم من محاولات بعض الموسيقيين العرب في كتابة نتاج وأعمال مهمة، موجهة الى هذا القطاع المهم في المجتمعات العربية، وهي محاولات تصطدم دائماً بمقولة النفعية والمردود المادي لدى اصحاب وحيتان شركات الإنتاج الفني والمنصات الإعلامية التجارية.
وفي غياب التربية الموسيقية الجمالية، عن هذه المجتمعات، يبقى الطفل العربي، عرضة للاستغلال والإهانة لعالمه النقي البرئ، حين ينصرف عن ترديد أغنيته الخاصة ، والاكتفاء بماتقدمه له وسائل الأعلام التجارية هذه، عبر أغاني الفيديو كليب والإعلانات، التي تحيط به وبعالمه النقي، ليتم تلويثه بهذه النتاجات الحسية المريضة، وكما أسلفنا فإن غياب التربية الجمالي، أدى في حقيقة الأمر، الى تعميق هذه الكارثة التربوية والأخلاقية وانتشارها بشكل مهين ومعيب بحق هذا العالم الفطري الجميل، ومن هنا نبّه الكثير من الباحثين والعلماء الى أهمية تربية الذوق السليم للطفل عبر تعويده، الحس الايقاعي وتدريب الأذن على التقاط الأنغام السليمة المتناغمة وتردداها بمايمنح هذا الطفل النطق السليم وأداء الأغنية بشكل متقن، وهو مايفضي الى تنمية ملكة الجمال وإغناء مجالات التذوق والتلقي، وبالتالي تمنحه القدرة على انتخاب العمل الجيد من العمل الرديء، من خلال عملية تربوية وتعليمية مستمرة، ولاننسى هنا بالطبع تنمية وإيقاظ الروح الجماعية التي تساهم بها الأغاني الجماعية وعملية التناوب التي تبرز موهبة كل طفل على حدة، بروح تنافسية تحدد امكاناته واستيعابه لبعض الجمل الموسيقية الصعبة التي تحتاج الى مران وجهد طويل، وبالتالي انعكاس كل هذه الجهود في تكريس أغنية وموسيقى خاصة تبتعد بهذا الطفل عن السائد المطروح الذي يحوي العجب العجاب من الرداءة وانحطاط الذوق والذائقة، ومن الطبيعي أن تكون هذه العوامل محصنة عبر توفير البيئة النظيفة لهذا الطفل بدءاً من البيت ودور الحضانة والمدرسة التي تلعب دورا مهما واساسياً، في تشكيل ثقافة الطفل وتنمية إحساسه بالجمال والابداع، بمايؤدي الى إثراء ذاكرته الموسيقية وتغذي روح الابتكار لديه، خاصة في وجود مسرح مدرسي بشكل مميز ومدروس، وكمانعلم فإن المؤلف الموسيقي “سلطان كوداي” كانت له اسهامات جد مهمة في هذا المجال، حيث استلهم الموسيقى الشعبية واعتمادها ركناً أساسيا في التعليم الموسيقي والغنائي، وهو مانجده أيضا عند المؤلف الشهير ” كارل أورف” الذي تبنى أيضاً الأغاني الشعبية الفولكلورية والانتقال تدريجياً الى عالم الايقاع الرحيب باستخدام التصفيق مع استخدام بعض الآلات البسيطة التي تناسب عالم الطفل معتمداً في ذلك على مبدأ التعليم الموسيقي عن طريق اللعب الذي يحول لعب ولهو الأطفال الى مجال جميل ورائع في عملية التعلم والتلقي وهو ماترسخ في العديد من المدارس الموسيقية التي قامت في العالم، ومنها مدرسة تعليم الموسيقى التي أسسها “جاك أميل دالكروز” والتي اعتمدت بشكل اساس على الحركات البدنية والايقاعات الحركية التي تجذب وتحبب الطفل اليها. وبالطبع هناك الكثير من المدارس التعليمية التي انتشرت في العالم وجميعها ينحى ويتبنى هذا الجانب المهم في عملية التعليم الموسيقي للطفل، في اليابان والمجر والمانيا وغيرها، في حين تغيب هذه المدارس عن البلاد العربية بسبب ظروف عديدة لامجال لذكرها هنا.
نعم، موسيقى الطفل العربي، في حالة تراجع، بالرغم من كل الاسهامات النبيلة، التي قامت في بعض أقطار الوطن العربي، لكنها لم تكن كافية لتحصين عالم الطفولة من الملوثات والسموم التي تحيط به وخاصة في عصر العولمة والتكنولوجيا المرعبة والوسائط المتعددة التي تساهم بقسط وافر من غياب وتغييب موسيقى الطفل مع استثناءات قليلة، عبر ماتبثه من نتاجات تشوه عالم الانسان عموماً وليس الطفل وحده، حين تهبط بمستوى الذوق والتذوق الجمالي الى حدود من الابتذال والانحطاط الأخلاقي والتربوي، والأمثلة على ذلك ماثلة للعيان، ولاحاجة بنا الى سردها وتعدادها. ، والتي تتعارض مع مقولة المعلم الفيلسوف “أرسطو” حين قال :”فليس من المستطاع أن نتجاهل سلطان الموسيقى ولأنه أمر لاجدال فيه يجب ادخال الموسيقى في تربية الأطفال”. نعم بالتأكيد يجب ادخال الموسيقى الى عالم الطفل كمانبه اليه الكثير من الفلاسفة والعلماء، لكن، يبقى السؤال مطروحاً أية موسيقى؟.