الثورة – عمار النعمة:
رحيل حسان عزّت ليس مجرد غياب جسد، بل هو لحظة تأمل في معنى الشعر، في قدرة الكلمة على مقاومة النسيان، وفي صوتٍ ظلّ يصدح، وهو قريب من القلب والذاكرة.
إنه الموت، ذلك الزائر الذي لا يستأذن، يغيّب لنا أجمل المبدعين على غفلة، لكنه لا يستطيع أن يغيّب الكلمة الصادقة، ولا الوجدان الذي ظلّ ينبض بالحياة حتى الرمق الأخير.
في صباح الثلاثاء 22 يوليو 2025، رحل الشاعر السوري حسان عزّت، تاركاً خلفه ما لا يمكن أن يُدفن.. قصائد من نور، ومواقف من شجاعة، وذاكرة من ورد.
ولد عزّت في دمشق عام 1949، ودرس الأدب العربي في جامعتها، لكنه لم يكتف بالدرس الأكاديمي، بل صنع لنفسه مدرسة شعرية خاصة.
منذ سبعينيات القرن الماضي، كان أحد روّاد قصيدة النثر في سوريا، إلى جانب أسماء لامعة مثل: رياض الصالح الحسين، وفرج بيرقدار، وجميل حتمل، لكنه ظلّ مختلفاً، بصوته، بلغته، وبكتاباته الملفتة للانتباه.
في ديوانه الأول “شجر الغيلان في البحث عن قمر”، كتب عن التمرّد بأسطورة، وعن الحرية بمطاردة القمر، وفي ديوانه الأخير سباعية خلق، كتب عن المدن والذاكرة والخلق، بأسلوب يجمع بين النثر والتفعيلة والنصوص القصيرة، وكأنه يودّع الحياة بنشيدها الكامل.
لم يكن الشعر عنده ترفاً لغوياً، بل موقفاً وجودياً، إذ قال:
“إذا لم يعبر الشعر عن الوجدان، وعن الموقف، والطموح الكلي للكائن، ليس شعراً.”
في الإمارات، حيث عاش مغترباً أسّس بيت الشعر، وحرّر المجلات، وشارك في تأسيس صحيفة أخبار العرب، لكنه ظلّ يحمل دمشق في قلبه، وظلّ يحلم بالعودة إليها، إلى المليحة، إلى بساتين الطفولة، إلى الوطن الذي لم يعد إليه حتى في الموت.
رحل حسان عزّت، لكن قصائده لم ترحل، رحل الجسد، لكن الكلمة بقيت، تضيء، وتقاوم، وتحب.
وداعا يا ابن دمشق الأبية، يا شاعر الثورة، يا من جعل للكلمة معنى، وللشعر حضوراً في وجداننا.