الثورة أون لاين – لميس علي:
“العادي هو ما يتبقى عندما يتغير كل شيء”..
تتضاءل نسبة هذا العادي في الحياة التي تلي سنوات الحروب والأزمات.
من يحيَ يوميات تواكب “اللاعادي”، يتحوّل ويصبح “العادي” بالنسبة له ترفاً..
ويبدو أن شغفنا بشيء ما، هو ما ينقذنا من ورطة الإحساس بكل ما يحيط بنا من اعتيادية الأشياء والتآلف معها لدرجة عدم ملاحظة أي ميزة أو تميز يمكن لها استجلابه.
هل حضور “العادي” في حياتنا، بشكلٍ مكثف، يحبط أي إحساس بالدهشة..؟
هل يغتال قدرتنا على رؤية ما تختزنه الأشياء وحتى الأشخاص حولنا، من ميزات وإمكانيات استثنائية..؟!
وكأننا بذلك نقرّ أن “العادي” هو ما يخالف كل ما هو استثنائي وما فيه روح المغامرة..
وبالتالي له النسبة الكبرى من تفاصيل حياتنا..
أيكون تراكم اللحظات التي تمرّ محمّلة بظلال “العادي” سبباً لخنق كل إمكانية لاستكشاف “دهشة” من الممكن أن تباغتنا في تفصيل حياتي أغفلناه قبلاً..؟
في كتابها “الحياة العادية” تناقش الفيلسوف والصحفية الشابة أديل فان ريث معنى كلمة “عادي” بشكل موضوعي وذاتي.
تصل الكاتبة إلى خلاصة أنه من الصعب تحديد معنى “العادي”، وبالتالي تميّزه بما ليس هو عليه.
بالنسبة لنا، نحن نميّزه بدرجة تسارع “اللاعادي” في يومياتنا. وهذا “اللاعادي” أصبح متوفراً لدرجة أصبح تواجده “عادياً”..
هكذا نمرّر كلمة “عادي” على توصيف أي شيء يحدث لنا وأمامنا بطريقة غير عادية أو غير مقبولة وربما غير طبيعية..
وكأن ما يحدث يجعلنا نستشعر أن تناسبا مطرداً يحصل بالخفاء بين “اللاعادي” و”العادي”..
فمن المفترض أن ارتفاع نسبة أحدهما يؤدي إلى تناقص في نسبة الآخر.. والحاصل هو العكس..
في ثنايا الأمر شيء من دهشة.. وربما شيء من الاستغراب..
وهو بالضبط ما يفصلنا عن الإحساس “بالحياة العادية”.
بالنسبة لأديل فان ريث، وبعد تجربة الحجر الصحي بسبب الأزمة الصحية العالمية، تلاحظ الكاتبة “أن هذه الأزمة التي مررنا بها تجعل كل شيء عادياً وأمراً مرغوباً فيه يومياً”..
وهي الخلاصة عينها التي حوّلت غير العادي إلى عادي لدينا، على الرغم من اختلاف إحداثيات المكان، وربما الزمان..
وهو ما يفصلها بدورها هي نفسها عن الإحساس بالحياة العادية.
التالي