الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:
كتابٌ صدر حديثاً عن اتحاد الكتّاب العرب بدمشق، وهو من تحقيق وتحرير وتقديم: د. “فاروق اسليم”، ويحكي عن سيرة الشيخ “يوسف السعدون” قائد المنطقة الأولى في ثورة الشمال، ومواقفهُ النضاليّة المقاومة للاستعمار الفرنسي.
يسعى “اسليم” في الكتاب، للحفاظ على دقّة ما كتبه “السعدون” بشكلٍ تطبيقيّ، دون التدخّل من الناحية المعنويّة، فالكتاب ورغم قيمته التاريخيّة العالية، عبارة عن مذكّراتٍ شخصية، يتحمّل مسؤوليتها الشخص الذي كتبها.
يحرصُ “اسليم”، على تقديم تعريفٍ منطقيٍّ لماهيّة الثورة، ومتى وكيف يجب أن تكون، فالتحوّلات الحياتية الموجودة في الكتاب، تتفرّع من ذات “السعدون” صاحب المذكرات، إلى ما دار في مناطقٍ ونواحي وشعاب إدلب، وصولاً إلى ما قام به الفرنسيون من ممارساتٍ غاشمة وغادرة آنذاك، وبطولاتِ أهالي المنطقة، ودفاعهم عن أرضهم ووطنهم .
في تسلسل المذكرات، يُظهر “اسليم” المكونات الإنسانيّة والنفسيّة والتربويّة للمناضل “السعدون”، من خلال معرفته بشكلٍ متدرّج لكلّ ما كتبه، وما الذي يقصده ويهدف إليه من كلّ كلمةٍ وعبارة، ولعلَّ أهم ما ذهب إليه، تسليط الضوء على وعيه القوميّ والعربيّ، وانحيازه إلى انتمائه، وحرصه على الاعتزاز والفخر بثورة الشمال، وبكون العرب أمّة تحرص على الدفاع عن نفسها وكرامتها .
أيضاً، يبيّن “اسليم” أن موقف “السعدون” من المكونات الطائفيّة المختلفة في سورية، يأتي وفق الحالة التي يتحدث عنها، ويدرك متى يفصل بين السلبي والإيجابي منها، ليصل إلى تحديد موقفٍ من الانتداب الفرنسي الذي هو بالأصل احتلال، فلا يتعصّب أو يتشدّد إلا للاتِّجاه الصحيح، ثم يركّز على سرد ما جرى معه، ليرى أن المكوّنات الوطنيةّ السوريّة، تظهر من خلال وصفه بأن الشعب السوري هو أمّة، مكرّراً القول: “في الأمّة السوريّة، الوطني هو من يغار على وطنه”.
في تحرّكِ كلماته العاطفيّ، ينتج ثبوت البعدين العربيّ والإسلاميّ معاً، رافضاً أيّ انحرافٍ عن منظومة القيم الوطنيّة والإساءة للإحسان، ومعتبراً أن الجهل هو عاملٌ قوي، لهدمِ صرح الأمّة.
لا تقتصر المذكرات على حياة “السعدون” فقط، بل وما حصل مع كُثر من المقاتلين المشاركين في النضال ضد المستعمر، كـ “نجيب عويد” و”مصطفى حاج حسين” و”فوزي القاوقجي”، وغيرهم من الشخصيات السياسيّة والنضاليّة، مثل “مصطفى أسعد” و”عبد القادر حجار”.. الخ.
في المذكرات أيضاً، إظهار خفايا مؤامرات الأتراك ومقاومة “السعدون” لهم في لواء اسكندرون، وكشف نزوعهم العدوانيّ الطامع، ومن ثمّ سردٌ مشرّف عن حياة المجاهد “إبراهيم هنانو” النضاليّة، والمعارك التي خاضها مع رفاقه، في جبل الزاوية وجسر الشغور ودركوش وبسنقول وحربنوش، وغير ذلك من المعارك التي وردت في الكتاب، مركّزاً على ما تعرّض له “هنانو” من قِبل الفرنسيين، كاشفاً بذلك التناقضات الحياتيّة التي تعرض لها هذا المناضل، وسواء شهامة بعض الناس، أو غدر بعضهم به.
يحرص الباحث، د.”فاروق اسليم” على الإشارة لما يمتلكه “السعدون” من ثقافةٍ واسعة، وقدرة على التعبير، واطّلاع واسع على الأدب العربي بكافة عصوره، فيستشهد ببعضِ أفكاره وشعره، وما يدعم مواقفه وتطلعاته إلى التحرّر وطرد الغزاة المحتلّين.
التاريخ: الثلاثاء8-6-2021
رقم العدد :1049