الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
عندما تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن زمام السلطة أعرب عن أمله بتشكيل تحالف “كبير” وبناء نظام للمشاركة يمكن بموجبه منافسة الصين التي يعتقد بأنها تمثل التحدي الأكبر لبلاده.
ترى إدارة بايدن بأن لدى حلفاء الولايات المتحدة وشركائها التأثير الكبير والقدرات الهائلة التي تمكنهم من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، ولا سيما ما يتعلق منها بالتعاطي مع الصين، وليس من المستغرب أن يصرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: “من المتعذر على الصين تجاهل قدراتنا”، مؤكداً عزم الإدارة الأميركية في استخدام القوة الجماعية لتحقيق التوازن مع الصين في الحين الذي تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبات داخلية ناجمة عن كوفيد 19، فضلاً عن العقبات الهيكلية الشائكة.
ومنذ تسلم بايدن سدة الرئاسة، تجنب التعامل مع الصين مباشرة بذريعة إخضاع السياسة الصينية للمراجعة، ولكنه كثف التواصل مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بشأن تلك القضية، ووفقاً لوثيقة “إرشادات استراتيجية الأمن القومي المؤقتة”، تشكل التحالفات “الديمقراطية” لواشنطن جبهة مشتركة وتحمل رؤية موحدة، لمحاسبة دول على غرار الصين، وتشمل هذه التحالفات الناتو وشراكات مع دول مثل أستراليا واليابان و كوريا الجنوبية، علاوة على ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بمضاعفة بناء الشراكات في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي، وفي هذا السياق، قال بلينكن “قوتنا تتضاعف” عند مواجهة التحديات المشتركة وتقاسم التكاليف وتوسيع دائرة التعاون.
ينص قانون المنافسة الاستراتيجية لعام 2021، المقدم إلى الكونغرس، معايير محددة لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها من أجل “التعامل” المشترك مع الصين، ولا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي مناطق أخرى، ووفقاً لمسودة القانون الذي يحظى بدعم من الحزبين، يجب تعزيز ثلاث طبقات من الحلفاء والشركاء واستكشاف المزيد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لوقف صعود الصين.
تتألف الطبقة الأولى من معاهدات التحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وأستراليا، والثانية إقامة التحالف “الرباعي”، الذي تنوي الولايات المتحدة من خلاله تعزيز “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والشاملة والمرنة التي تتميز بالديمقراطية وسيادة القانون والنمو الاقتصادي الذي يحركه السوق، والخالية من أي نفوذ أو خلاف”، أما الطبقة الثالثة فتضم دول جنوب شرق آسيا التي تعد في صلب المنافسة الأميركية مع الصين.
لقد أصبحت دول جنوب شرق آسيا (آسيان) أكبر شريك تجاري للصين، بيد أنه لكونهم جيراناً، فإن ثمة نزاعات إقليمية بين بعض الدول الأعضاء في آسيان مع الصين الأمر الذي يمكن الولايات المتحدة انتهاز هذه الفرصة، وخاصة أن قانون المنافسة الاستراتيجية يركز على النزاعات البحرية بين الصين وبعض أعضاء آسيان، ويحث “جميع الأطراف” على الكف عن الأنشطة التي تقوض الاستقرار سواء في المنطقة أو في “الجزر منزوعة السلاح” في إشارة واضحة إلى الصين.
ترغب الولايات المتحدة أيضاً بتعزيز التحالفات والشراكات مع الدول الأوروبية، وغيرها من الدول “ذات التفكير المماثل” في جميع أنحاء العالم بذريعة “مواجهة التحديات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الجسيمة التي تفرضها جمهورية الصين الشعبية” والاستفادة منها لإخضاع الصين بحجة ردع “عدوانها العسكري”، وإيجاد حل سلمي للنزاعات الإقليمية، وتعزيز التنمية، وترسيخ حقوق الإنسان، ومكافحة ما أطلقت عليه اسم “ممارسات النهب الاقتصادي”.
تولي واشنطن أهمية كبيرة لمنتديات مثل مجموعة السبع، ومنظمات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وستحاول بناء جبهة مشتركة ضد الصين باسم “تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد”، لذلك أعيد إطلاق الحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين في شهر آذار، وبالتالي أصبحت الصين تمثل الموضوع الرئيس للمناقشة في محادثات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، ولم تكتف بيانات وزراء خارجية مجموعة السبع بتوجيه النقد حيال سياسة بكين بشأن منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة فحسب، بل دعمت أيضاً مطلب تايوان في المشاركة بالمنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية.
تتطلع الولايات المتحدة أيضاً للحصول على التزامات تعاون مع مجموعة الدول الصناعية السبع لمكافحة ما يسمى “القمع الاقتصادي” من خلال الاستثمار القائم على النموذج الغربي للتنمية الذي يستهدف مبادرة الحزام والطريق الصينية، بحيث يؤمن سلاسل التوريد العالمية ويمنع صانعي معدات الجيل الخامس ومقدمي الخدمات الصينيين من الدخول إلى الأسواق العالمية، وتشير الأنشطة البحرية التي تمارسها دول أوروبية على غرار بريطانيا وفرنسا إلى أن خطة الولايات المتحدة قد يُكتب لها النجاح.
يمكن ملاحظة تبعات محاولة إدارة بايدن لبناء تحالف “كبير” في بعض المناطق, إذ علق الاتحاد الأوروبي عملية التصديق على الاتفاقية الشاملة للاستثمار مع الصين، وقد اتخذت كل من طوكيو وكانبيرا موقفاً تجاه بكين إثر ضغوط مارستها واشنطن، أما سيئول، التي طالما كانت حذرة من أن يُنظر إليها على أنها عضو في معسكر مناهض للصين، تُظهر الآن اهتماماً بالانضمام إلى التعاون التكنولوجي وسلسلة التوريد في إطار الرباعية التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند.
ومع ذلك، من الصعوبة بمكان تهميش ثاني أكبر اقتصاد في المجتمع الدولي، ورغم ثقة المسؤولين الأميركيين بإقامة علاقات مشتركة مع الدول الأوروبية بشأن قضايا مثل هونغ كونغ وشينجيانغ، والوصول إلى السوق الصينية، إلا أنهم سيجدون صعوبة أكبر في الحصول على دعم الدول الأخرى في قضايا التكنولوجيا الفائقة.
بالنسبة للدول النامية، فإن المجموعة التي تقودها الولايات المتحدة لا تشكل حتى اليوم بديلاً للصين في بناء البنية التحتية عالية الجودة بسبب التمويل غير الكافي والكثير من الشروط المسبقة وضعف الجدوى. وعلى الرغم من أن وزراء مجموعة السبع انتقدوا الصين، إلا أنهم لم يتحدثوا عن أي خطة لمواجهة بكين. وفي الواقع، يكتنف دول مثل إيطاليا وألمانيا القلق بشأن الضرر المحتمل الذي قد تسببه لنفسها من خلال “الإساءة إلى بكين”.
ونافلة القول، مهما بلغت جهود بايدن لبناء ذلك التحالف، فينبغي عليه وضع سياسات تستند إلى قواسم مشتركة مع الصين، والانخراط معها بشكل هادف وفقاً لقواعد راسخة، بحيث يكون التعايش نقطة بدء للمنافسة الشريفة بين بكين وواشنطن في المستقبل.
المصدر Daily China