يتساءل المرء هل العروبة سابقة للهوية الوطنية، أم الهوية الوطنية ولّدت العروبة. وأين ومتى وكيف ولدت العروبة؟، ما مفهومها، وما وقعها في قلوب الشعب الذي يعيش على أرض لم يضع الله فيها عوائق طبيعية تقطعها، وتتحدث بذات اللسان الفصيح، وبينها قواسم مشتركة كثيرة. سؤال يتردد مع كل بائنة؟
العرب أمة، فتحنا عيوننا نحمل هويتها، نفاخر بها ونحفظ مقوماتها التي تجمعنا، درسنا في مناهجنا، تاريخ احتلالها من العثمانيين الذين حكموها باسم الدين لأربعة قرون ونيف، واستولى الغرب الاستعماري على حكمها بعدهم عندما تهالك حكامهم.
الاستعمار الغربي قطَّع أوصالها بحجة تسهيل حكم أهلها لها، على خارطة سايكس وبيكو، بأقلامهم الحمر والزرق، وسلموا أجزاءها لحكام كان ولاؤهم المطلق لهم على أنهم ملوك وأمراء، على عروش وتحت تيجان، لحماية مصالح الغرب المحتل.
بعد طرد الاستعمار مما سمي الأقطار العربية، بقيت الشوكة التي غرست في خاصرة الوطن الكبير، على أرض فلسطين التاريخية، كيان دخيل منحوه لمن دعوهم باليهود، على أن لهم فيها تاريخاً، لكن حقيقة الأمر أنها تمارس دور الخفير.
أصبحت بعدها محراك الشر، تحاول الطغيان على أبناء المنطقة جمعاء. زرعوا لها موالين وحاضنين ورعاة في منطقة الخليج العربي. ليكونوا لها السند عند مواجهتها. ولإضعاف أي دولة قادرة على مناهضتها، وتعمل لإعادة حقوق الفلسطينيين.
بعدما تحررت سورية، وفُصِمت عرى الوحدة بين سورية ومصر؛ الحلم الذي راود أبناء الأمة الواحدة ردحاً من الزمن، جاءت ثورة البعث حيث هدفها الأول الوحدة، ثم كان التصحيح، الذي أرسى الاستقرار في البلاد، ولأن الوحدة أصبحت بعيدة المنال، كان لابد من السعي لأي شكل لأجل التضامن العربي، لكن لا فائدة مرجوة.
كانت يد الاستعمار تمتد سراً مرة وجهاراً أخرى؛ لإخماد أي جذوة نور، يمكنها تحقيق الهدف أو حتى مقاربته.. وأصبحت تغذي الأشقاء على بعضهم بعضاً فها هي اليمن تصب عليها السعودية حمم نيرانها، التي أَفرغت المستودعات الأميركية.
لم يكتف الاستعمار بذلك بل بدأ يستخدم العصبية لتمزيق عرى الأمة، أحياناً في مصر أنها فرعونية، بعد أن أعاد لها عبد الناصر هويتها العربية، وحركوا تراث الأمازيغية في المغرب العربي، على أنهم سلالة متفردة، مع أنها جزء من العربية الصرفة جذراً ونشأة، وحركوا في سورية التاريخ الفينيقي لمحو جذر العروبة.
ليس من أحد يمكنه قطع جذوره، صحيح أن الفينيقيين سوريون، لكن هذا لا ينفي أن سورية قلب العروبة النابض لأنها أم العروبة. من هنا تتضح خباثة لعبة الاستعمار، لتجزئة المجتمع العربي. فاختلق عناوين صراع الحضارات، والغزو الثقافي، لأجل تفتيت الأمة المجزأة بضرب مقوماتها. لأن وحدة العرب في حرب تشرين كسرتهم.
كان الهدف الأهم ضرب سورية، لأجل أمان العدو الصهيوني، الذي هزمته المقاومة ومحورها المدافع عن فلسطين؛ وحقوق أهلها من البحر إلى النهر. فاستهدفوا الأمة برمتها بالربيع العربي، ذاك الذي اصطكت له فرائص معظم الحكام مَن تهاوى ومَن أخلى الساحة، ومَن جاء بوصايتهم، ومَن مارس القتل لأجلهم متذرعاً بالدين زيفاً.
بقيت شوارع الأمة تترنح تحت وقع الإرهاب الضاغط، لكن الشعب الذي تشرب العروبة عبر حبله السري من رحم الوطن الأم سورية، أسقط مشاريعهم، نحن من أفهم العالم معنى العروبة، قاومنا أشنع الأساليب ضد طمسها، حين حاولوا إحياء حلم العثمانية بشخص أدوغان(سيىء الذكر ناكر المعروف) الذي غذى الإرهاب، ويحاول احتلال الأرض والتشبث بها، رغم قطعه المواثيق والعهود لانسحابه. لكنه نكثها بطبعه المحتال.
لم يتخل الشعب السوري المضحي بالأغلى من دم أبنائه دفاعاً عن عروبته وأرضه فيما قاله الرئيس بشار الأسد عندما طُرح أمامه مرة تغيير اسم حزب البعث العربي الاشتراكي بحذف العربي، موضحاً أن هدف الاستعمار محو العروبة في سورية. وتحقق كلام الأسد فكل محاولات الغرب وأميركا انصبت لفسخ عرى الشعب العربي، لكن السوري أوقع أعداءه في شر أعمالهم، رادّاً الرعاع إلى حيث جاؤوا.
الآن قال الشعب في سورية كلمته الفصل، باختيار من حافظ على هويته وعروبته.. ليقوده نحو المستقبل، هنيئاً شعبي العظيم كسرك للضيم، وتبادل القوة مع أسد العرين.
إضاءات – شهناز صبحي فاكوش