«سبعةُ أصوات».. والتكنيك الغالب على الحكاية

 

الملحق الثقافي:محمد الحفري*

ربما تُحيلنا رواية «سبعة أصوات» لمؤلفها العراقي «محمد عبد حسن»، مباشرة إلى رواية «أصوات» لكاتبها المصري «سليمان فياض»، من حيث التسمية على الأقل، ومن ثمَّ من حيث الأصوات التي تنطلق من الروايتين، ففي الرواية المصرية التي تتحدث عن تلك المرأة الأجنبية التي تزوجت من رجل مصري، وجاءت معه إلى حيث يسكن في الريف المصري، بقيت الأصواتُ متعدِّدة وكثيرة، ومعها وجهات نظر نساءِ القرية ورجالها حول الوافدة الجديدة إلى البلدة، وربما هذا يحيلنا بدوره إلى أعمالٍ مصريِّةٍ أخرى، قُدم بعضها على صعيد السينما والدراما التلفزيونية، ولم يكن آخرها مسرحية «ليالي الحصاد» لمؤلفها «محمود دياب»، والتي تتحدث عن قدوم «السنيورة» إلى القرية وموقف شباب القرية منها.
لسنا هنا في مجال المقارنة والمقاربة، بين الأعمال الفنية التي عُنيت بتقديم الأصوات، لكننا في العودة إلى البدءِ ورواية «سبعة أصوات»، نريد القول أنها قد بثَّت هذا العدد بالذات، الذي تجسّد وتحدَّد في الأصواتِ التالية:
«الآخرـ الأخ الأول ـ الأم ـ الأخ الثاني ـ الجارة ـ الأخت ـ هي الأخت» وهذه الأصوات استُعملت في العنونات الداخلية، وقد تمّ تغليب حضور بعضها على غيره من الأصوات والعناوين، ونذكر على سبيل المثال صوت «هي الأخت» الذي لم يظهر سوى مرّة واحدة على صفحات الرواية، وقد تبدو هذه الأصوات للوهلة الأولى، مثل جزرٍ متباعدة لا يجمع ولا يربط بينها أيّ رابط، لكنها في حقيقة الأمر، مثل مرجِ أزهار لا نكاد نميّز فيه بين وردةٍ وأخرى.
تشتغل الرواية على الأصوات المنفردة التي تجتمع، وتتوحّد مع غيرها لتشكّل عبر سيرها السرديّ، حكاية المكان والإنسان في آنٍ واحد، والمكان الواحد قد يغدو أمكنة كثيرة، حيث نجد أسماء العديد منها مثل «البصرة، السماوة، بغداد، الديوانية، الناصرية» وغيرها، ولعلَّنا نلاحظ في المقطع الذي يحمل صوت الآخر، أن المكان لم يعد كما كان عليه من قبل، حيث يقول الكاتب: «الشارع المجاور للبناية قُطع هو الآخر من رأسه ومنتصفه، ليستحيل قسم منه إلى مخزنٍ مسقوف بألواحِ الجينكو»، وفي مطرح آخر يقول: «أعود للشارعِ الرئيس فأجد نفسي في أطلاله، أتجاوز بار الشعب الذي لم يعد موجوداً، ولكني أراه رغم المبنى الكبير المشيّد مكانه.. ترىّ أين أصبح كل أولئك الذين كانوا يتوزَّعون حول طاولات الخشب المنتشرة في حديقته؟»..
هذا السؤال، يعيدنا إلى البحثِ عن الإنسان الذي هاجر أو فُقد وتلاشى، وإلى المكان الذي فقد الكثير من خصوصيّته المحببة، ولذلك يغدو التبرّم منه مسألة على غايةٍ من الأهمية، فالبصرة على سبيل المثال لم تعد كما كانت، وهذا ما نراه في هذا الحوار الذي يحاول فيه البطل، عدم الإجابة على السؤال الملحّ عن المكان: «وكيف هي البصرة؟ ـ خذني إلى فندقٍ مناسب ـ أعرف واحداً، كيف هي البصرة؟».. وبالتالي أدّت تلك النظرة إلى هيمنة الحزن الذي ظهر طافياً فوق كلّ شيء، حيث نراه حتى في أبسطِ الأشياء التي مرّ السرد عليها، إذ يقول عن صوتِ إغلاق الباب: «حتى هذا الصوت بدا وأنت تتلفَّت إلى طرفي الطريق الفارغة وقت الظهيرة، كدويِّ سيارةٍ مفخخة، أو عبوة ناسفة انفجرت قريباً».. وربما يكون مدعي هذا الحزن، ووجود مثل تلك التشبيهات، الحرب التي جرت فوق أرض العراق، وما تلاها من تبعاتٍ كثيرة، ولعلَّ هذا ما يؤكده الكاتب في قوله: «المدينة تفقد كلّ شيء.. طابعها، لهجتها، عاداتها، وبهوها الوحيد»..
من ناحية أخرى، تحاول الرواية البحث عن الذات المسلوبة في خضمِ ذاك الوضع المأساويّ: «يدفع سماعة الهاتف الملتصقة بأذنك، محاولاً الخروج عبرها ليكون هنا، وأختك تريده أن يبقى هناك، وإلى متى تسأل نفسك ذلك»؟..
أيضاً، وفي مطرح آخر يقول: «وكنت تنظر إليها ولا تراها، تراه هو، وترى أمك الجالسة وحدها في الصالة»، وهذه الذاتية أو لنقل بشكلٍ أوضح، البحث عنها يدفع إلى انقسامِ الصوت في الكثير من مواضع السرد، ويظهر ذلك جلياًّ في هذه الكلمات: «لا تخرج.. قلت له، وقال لي إنه يعرفه. ألا تراه؟.. وكنت أنا الآخر أعرفه وأراه»، وفي هذا الصدد نقول، إن الآخر غالباً هو نحن، أو جزءٌ منّا على الأقل..
تظهر في الرواية شخصيات حقيقية من لحمٍ ودم، يعرج عليها السرد كما ورد عن شخصية «أبو فايز» الفلاح المسؤول عن حديقة الأمّة في البصرة، ذاك الذي بقي طوال مدة خدمته يعمل على تشذيبِ أغصان أزهارها وشجيراتها، كما أن الكاتب اعتمد في الكثير من سطورِ روايته، على المفارقة التي جعلته يُحدث فعلاً صادماً للمتلقّي: «تركتُه بكلِّ سقوطه، ليقع على الأرض، ونهضتُ بكلِّ هزيمتي، أو انتصاري».. وقد جاءت النهاية مفتوحة على أصواتٍ أخرى، يمكن أن تنطلق في عملٍ سرديٍّ جديد، حيث يقول السطر الأخير منها: «جاءني صوتٌ يسألني كالعادة «هاي شنو»؟!!. ولمّا كان باب غرفتك مفتوحاً، دخلت متعذِّرة بالوسائد، لأراك أولاً، ثم أوصد النوافذ».. ما نريد قوله هنا، وفي هذا المنحى، أن الأصوات بقيت متلاحقة ومتواصلة حتى النهاية، وإغلاق النوافذ عند قارئٍ متبصِّر، لا يعني سوى البدء بحكاياتٍ جديدة، وأيضاً سرد جديد.
لقد أظهر التكنيك الذي استعملته الرواية، جماليات أخرى للأصوات عبر مسيرة العمل السرديّة، لكنها بالمقابل قلَّلت من أهميّة الحكاية، ومالها من أهميّة وجمال يبتغيا الانشداد، نحو التشويق المنشود في الأعمال السردية.
في نهاية المطاف، يمكن التأكيد أن هذه الرواية.. رواية «سبعة أصوات» لمؤلفها «محمد عبد حسن»، هي رواية البحث عن المكان، والهوية، والذات التي فقدنا الكثير منها، لذلك اتسّم سردها بطابعِ الحزن الذي غدا سمة من سماتِ عصرنا الراهن، وأجمل ما بنا نحن القاطنين في هذه البقعة من الشرق، وما كُتب على غلاف الرواية، يؤكّد مقولتنا، ونأخذ منه التالي للاستدلال به:
«لأن الرواية لنا، وعنا، فعليها حين نترك مناطقنا الآمنة نحو المجهول، أن تفعل مثلنا.. أن تتخلى عن قوانينها وأشكالها الجاهزة، وأن تنحو نحو طرق تشبه طرق فرارنا الملغومة، والمملوءة بالفخاخِ، حتى وإن وُجد من يخوّفنا من فشلِ التجربة وسقوط النص»..
* كاتب وروائي ومسرحي

التاريخ: الثلاثاء15-6-2021

رقم العدد :1050

 

آخر الأخبار
بين الحقيقة والتزييف..الأمن العام السوري صمّام أمان الدولة الهوية لا تعرف الحدود... والدولة ترسّخها بالرعاية والمسؤولية  أهالٍ من نوى يؤكدون على الوحدة الوطنية ودعم الجيش والقيادة من مظاهرات الثورة السورية في باريس.. الدكتورة هنادي قوقو "الثائرة الرقيقة" الدفاع المدني يحمّل فصائل السويداء مسؤولية اختطاف حمزة العمارين: العمل الإنساني ليس هدفاً مشاعاً مظلوم عبدي: اتفاقنا مع دمشق خطوة محورية نحو الاستقرار وبناء جيش وطني جامع  " الخارجية " تُعلن عن زيارة وفد تقني إلى السودان لبحث أوضاع الجالية السورية " الخارجية" تطلق خدمات قنصلية مؤقتة للجالية في ليبيا بانتظار افتتاح السفارة الرسمية منظمات حقوقية تحذر: خطة لبنان لإعادة اللاجئين السوريين تُهدد بترحيل قسري جماعي  مبادرة الغاز الأذربيجاني إلى سوريا تحظى بإشادة أميركية وتأكيد قطري على دعم الاستقرار الخطوط الجوية التركية تعود إلى أجواء حلب بعد 13 عاماً من الانقطاع "غرف الزراعة":  آلية جديدة لتحديد أسعار الفروج الحي من الدواجن الوزير الشيباني: الجاليات السورية ركيزة لتعافي البلاد وتعزيز حضورها الخارجي تحسين واقع الشبكة الكهربائية في القنيطرة مركز صماد الصحي في درعا  بالخدمة محافظ حمص يدشّن مشروع إعادة تأهيل مشفى تدمر الوطني بتمويل من الدكتور موفق القداح البيت الأبيض يكشف نسب الرسوم الجمركية الجديدة على سوريا وخمس دول عربية ترحل القمامة والركام من شوارع طفس بدرعا انطلاق المرحلة الثانية من مشروع الطاقة القطري في سوريا: 800 ميغاواط إضافية لتعزيز الشبكة وتحسين التغ... العاهل الأردني يعيّن سفيان القضاة سفيراً فوق العادة لدى سوريا