الولايات المتحدة بقيادة بايدن تسعى لإعادة مكانتها وهيبتها على الساحة الدولية، وروسيا والصين تجهدان لتثبيت دعائم نظام دولي جديد يلفظ الهيمنة الأحادية، و”الناتو” يلهث في البحث عن دور جديد يكون أكثر فاعلية على مسرح الأحداث العالمية، ومحور المقاومة في المنطقة يرسخ قواعد ومعادلات قوة لها تأثيرها الواضح في تغيير مسار التوازنات الدولية.
هذا المشهد الدولي يشي بالكثير من المتغيرات السياسية، وربما العسكرية أيضاً خلال المرحلة القادمة، وهذا تمليه النزعة الأميركية نحو تصعيد المواجهة مع القوى الدولية الرافضة لنهجها المتغطرس، فالولايات المتحدة تعيش اليوم مراحل نهاية عصر نفوذها الأحادي، ولاحظنا خلال القمة الأخيرة لمجموعة السبع في بريطانيا، كيف حاول بايدن استعادة ثقة الغرب بواشنطن لتبقى قائدة مصالحه وتوجهاته، عبر إغراء زعمائه بأنه مستعد للتعاون والشراكة الحقيقية معهم في رسم السياسات الدولية، وبأن الدفاع المتبادل عن “الناتو” واجب مقدس، وهذا في الواقع يعكس خشية أميركا من فقدان أحد الأذرع الدولية التي تتكئ عليها لتحقيق أجنداتها، وواضح من مسألة تحشيد بايدن لقادة المجموعة ضد روسيا والصين أن حكومة الدولة العميقة تستشعر خطراً حقيقياً على مصالحها الاستعمارية من تنامي نفوذ القوتين الصاعدتين وما تشكلانه إلى جانب حلفائهما المناهضين لسياسة الهيمنة الأميركية من ثقل كبير في موازين القوى العالمية.
زعماء “الناتو” اتفقوا خلال قمتهم في بروكسل على تكثيف “دفاعهم الجماعي” ضدّ ما سموه كلّ “التهديدات ومن جميع الاتجاهات”، ووضعوا الصين على رأس قائمة تلك “التهديدات”، وروسيا بدرجة أقل، ربما لترطيب الأجواء بين واشنطن وموسكو عشية لقاء قمة جنيف بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن، وهجوم “الناتو” على الصين وروسيا يعكس انصياع الغرب لإملاءات بايدن أثناء قمة مجموعة السبع، والمفهوم الاستراتيجي الجديد الذي قرر الحلف تطويره يرتبط بشكل وثيق مع توجهات السياسة الأميركية في المرحلة القادمة، ما يعني أن ثمة أدواراً جديدة وزعتها الولايات المتحدة على حلفائها لإعادة ترتيب سياستها الاستراتيجية بقصد الحفاظ على هيمنتها الدولية، وهذا ما عكسته مخرجات اللقاءات الثنائية بين زعماء الحلف على هامش قمة “الناتو”، وتصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد لقائه رئيس النظام التركي رجب أردوغان بشأن سورية وليبيا – كهدف للعمل المشترك- نموذجاً.
وقائع الأحداث والتطورات الراهنة تؤكد أن الولايات المتحدة وأتباعها الغربيين لن يستطيعوا ردم هوة الفشل والعجز التي باتت تلازم سياساتهم، في ظلّ المتغيرات التي يفرضها صمود الدول المناهضة لسياسة الهيمنة الغربية، ومعادلات القوة التي يفرضها محور المقاومة في المنطقة دليل إثبات على ذلك، انتصار سورية على الإرهاب وداعميه، أفشل مخططات الغرب، ووضع الكيان الصهيوني على صفيح ساخن من الاهتزازات والتصدعات العميقة التي ستأخذ مداها في المستقبل القريب، وإيران بصدد إرغام الولايات المتحدة على العودة للاتفاق النووي وفق الشروط التي حددتها مقابل خفض التزاماتها النووية، وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، ورغم الحصار والعدوان، فإنها تحقق المزيد من الإنجازات، وتفرض توازنات جديدة من شأنها إجبار أميركا على إعادة حساباتها كنتيجة حتمية لإرادة شعوب المنطقة.
بقلم أمين التحرير ناصر منذر