الثورة أون لاين – هلال عون:
كانت تركيا تسعى خلال سنوات الحرب العدوانية على سورية لإقامة ما يسمى منطقة عازلة بعمق 30 – 35 كم على طول الحدود الشمالية لسورية، وكانت الذريعة المعلنة حماية ما يسمى المدنيين من “النظام”!.
أما الهدف الحقيقي، وغير المعلن، فهو طرد المواطنين السوريين “الأكراد” نهائياً من المنطقة الحدودية السورية – التركية، وإحلال عشرات الميليشيات والمجموعات الإرهابية السورية والعربية والأجنبية في المنطقة، لتكون تلك المجاميع ضباعاً وذئاباً تهدد تركيا بهم دول الجوار، وصولاً إلى الخليج، وروسيا والصين، وكذلك دول المغرب العربي، وصولاً إلى أوروبا.. إذ إن تلك المجاميع تتكون من أبناء تلك الدول المتطرفين دينياً، والساعين إلى إقامة الخلافة الإسلاموية السلطانية بقيادة أردوغان.
كانت أمريكا تعارض ذلك التوجه التركي، ليس احتراماً للقانون الدولي، ولا كرهاً بالمجاميع الإرهابية، ولا حفاظاً على وحدة الأراضي السورية، بل لأن ذلك يتعارض مع بعض مخططاتها الانفصالية، ويفقدها نابها ومخلبها، المتمثلَين بعملائها من ميليشيا “قسد”، الذين وضعوا أنفسهم في خدمتها وضد بلدهم سورية.
فأمريكا كانت تسعى أيضاً لإقامة “منطقة آمنة” في الشمال والشمال الشرقي، ولكن لأهداف تتناقض وتتعارض مع أهداف أردوغان، فهدفها هو إقامة دويلة انفصالية تمتد على طول الحدود الشمالية لسورية، بدءاً من عفرين، وصولاً إلى إقليم كردستان العراق، لتكون تلك الدويلة مسرحاً ومنطلقا للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
وكانت خطة أمريكا تتضمن الإطباق الإسرائيلي – الأمريكي على سورية، بدءاً من حدودها مع فلسطين المحتلة، مروراً بالحدود السورية الأردنية (التي بات جزء منها في قاعدة التنف تحت الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية)، وصولاً إلى الحدود السورية – العراقية التي تعمل أمريكا على السيطرة عليها، وانتهاء بالحدود السورية مع تركيا.
وبذلك تكون أمريكا و”إسرائيل” قد طوقتا سورية بالعملاء، وبطريقة الاحتلال غير المباشر، إذ لا يبقى – حسب الخطة – لسورية منفذاً برياً على العالم الخارجي إلا عبر لبنان، الذي عملت وما تزال تعمل على تتبيعه كاملاً لها و”لإسرائيل” عبر حصاره وتجويعه وسرقة أموال شعبه، لدفع الشعب نحو ثورة ملونة تستهدف سلاح المقاومة الذي يقف حجر عثرة أمام تحقيق هدفها.
خطة أمريكا كانت واضحة أمام النظام التركي، ولذلك أعلن وزير خارجية أردوغان الاخونجي “مولود جاويش اوغلو” موقف بلاده بالقول: « إذا كان المقصود بالمنطقة الآمنة هو إنشاء منطقة عازلة للإرهابيين، فإن تركيا سترفض هذه الخطوة».. ويقصد بالإرهابيين (الأكراد).
«روسيا التقطت تلك اللحظة وذلك الاختلاف، في حينه، وطلبت من أردوغان العودة إلى اتفاقية أضنه التي تضمن حماية حدود سورية وتركيا من الهجمات الإرهابية المنطلقة من أي من البلدين.. ولكن أردوغان رفض».
في تلك الأثناء كانت دمشق منشغلة بحماية الداخل السوري ومحاربة وطرد الإرهابيين من درعا وريفها، ومن أرياف السويداء ودمشق وحمص وتدمر وحماة وحلب واللاذقية..
وكانت تجري المصالحات مع الذين تم التغرير بهم، ولم تتلوث أيديهم بدماء إخوتهم السوريين.
لم تستطع أمريكا ولا تركيا خلال السنوات العشر الماضية، بسبب مواقف روسيا والصين، استصدار قرار من مجلس الأمن يشرعن المنطقة العازلة، واحتلالهما للشمال والشمال الشرقي لسورية، الآن احتلال الدولتين لأجزاء من سورية قائم وتتلطى أمريكا لتبرير احتلالها خلف مقولة أن بقاءها مرهون بالقضاء على داعش في المنطقة الشرقية من سورية.
أما تركيا فتحاول فرض أمر واقع لاحتلالها من خلال عملية تتريك وربط للمناطق الشمالية التي تحتلها بالدولة التركية عبر مسار ممنهج وواضح من خلال فرض التعامل بالليرة التركية والتعليم باللغة التركية، وإقامة معاهد وكليات جامعية تدرّس المناهج التركية في المناطق التي تحتلها، بل قامت شركات تركية باحتلال مبانٍ حكومية سورية لتكون مقراً لعملها، ووصل الأمر إلى إصدار بطاقات هوية تركية للأهالي، ومع ذلك يصر اللص الإخواني أردوغان على القول أنه مع وحدة الأراضي السورية.. (يبدو انه لا يعتبر الأراضي التي يحتلها سورية)!.
السؤال الآن: هل ستخرج أمريكا وتركيا من المناطق التي تحتلانها بالطرق السياسية، أم أن الأمر سيَفرض على القيادة السياسية والعسكرية في سورية استعادتها بطرق أخرى..؟! أي بمواجهة عسكرية، أو بمقاومة شعبية انطلقت وباتت تهيئتها وتمكينها أمراً واقعاً؟!.
وفي الإجابة على هذا التساؤل المعقّد والكبير، يمكن التأكيد على النقاط السبع التالية:
1 – معروف عن الشعب السوري عبر تاريخه الطويل أنه لا يرضخ للاحتلال ولا يقبل به مهما كان الثمن .
2 – سورية ذات خبرة استثنائية بإنشاء وخلق المقاومة، ولها تجارب من أنجح التجارب على مستوى العالم في ذلك، ويمكن التذكير بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق في هذا الإطار.
3 – كل المؤشرات ومراكز الأبحاث العالمية ترى أن منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا لم تعد أولوية بالنسبة لأمريكا، وإن أولويتها في المرحلة القادمة هي مواجهة الصين في شرق آسيا.. ما يعني أن أمريكا تعيد ترتيب أوراقها لمغادرة المنطقة بأقل الخسائر، وأن صغار أزلامها سيكونون الأكثر تضرراً، ومنهم بالتأكيد ميليشيا (قسد).
ولذلك، غالباً، ستستعيد سورية المناطق المحتلة بالمواجهة العسكرية أو باتفاق سياسي ليس بعيداً، وسيترك «قسد» الانفصالية على قارعة الطريق.
4 – ستضطر «قسد» للعودة إلى سورية بشروط الدولة السورية لمواجهة الخطر التركي على سورية الذي تدركه هي ويدركه “الأكراد” خاصة.
5 – سيكون موقف تركيا ضعيفاً عند التوافق بين مكونات الشعب السوري كافة.
6 – سيكون انسحاب تركيا من الشمال السوري، والعودة لاتفاق أضنة هو الأرجح، إذا فكر النظام التركي بطريقة عقلانية، لأن العودة للاتفاقية أكثر فائدة من الحرب للطرفين.
7 – سيكون دحر التنظيمات الإرهابية ومصير الإرهابيين العرب والأجانب في الشمال السوري وخطر ارتداد إرهابهم إلى بلدانهم، هو المفتاح السحري في يد سورية انطلاقاً من عودة أوروبا والعرب عن سياساتهم العدوانية، وبشروط سورية.
والأشهر الستة القادمة ستكون حاسمة في تحديد الخيارات.. وقد تبدو بعض ملامح هذه المرحلة بعد فترة من لقاء بوتين – بايدن .. وبايدن – أردوغان هذا الأسبوع.