ليزا خضر تسربل قصيدتها

الثورة أون لاين – علم الدين عبد اللطيف:

ديوان شعري جديد للشاعرة السورية (ليزا خضر).. صدر عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة للكتاب 2021.
في ديوانها الجديد تُبدي الشاعرة حرصاً واضحا على تقديم الجديد، ويمكن للقارئ أن يلمس بعض الفرق بين عمليها السابقين.. (لا أثر لرأسي الأول) و (كأني أنا).. على مستوى التنويع الشعري وعالم القصيدة أولاً.. وطريقة بناء القصيدة وإنشاء الجملة الشعرية ثانياً، لكن ليزا الشاعرة الحداثية، التي تنتمي للمنهج الحداثي في كتابة القصيدة، تدرك أن الكاتب الحداثي مهمته أيضاً أن يصنع حداثته الخاصة به، ويضيف حداثة متجددة في كل عمل جديد، وتدرك أيضاً أن الحداثة ليست معطى ثابتاً يتم تناوله والقياس عليه دوماً، فالحداثة يصنعها وينتجها الكتّاب بطرقهم المختلفة وأن التزموا بمعيار حداثي عام، مستمد من فهم طبيعة الحداثة ومفهومها وادواتها.
في حبر الكمان.. يتلمس القارئ نضوج النص، فالشاعرة التي أغرتها سَرْيَلة القصيدة، وأضافت ألقاً وبعداً وعمقاً لنصوصها في عمليها السابقين، تبدو في عملها الجديد كما لو أنها لا تتعمّد المضي في صرامة المنهج، بل تخضعه لتقولات النص والمقام.
تقول في ديوانها الثاني (كأني أنا).. الصادر 2017 عن دار بعل بدمشق:
(يقلقني الحضنُ السريالي.. وملامح السماء بلا أوتاد.. يا ابنة الأرض تيممي بالخلاخيل.. جميلة ترنّ أزرار الضوء، أضلاعها ولادة اللغات، أصابعها أبواغ العطر.. وكما لم يكن يوماً.. أغوارها إطلالة وحي من فوق.. يلهم الأرض القصد البليغ للصلاة).
في مقطع كهذا تعلن الشاعرة عن منهجها بوضوح السريالية أو غموضها، وتنجح في تقديم جملة شعرية متسقة مع ما تعلن.. وهي التي تتابع في نفس الديوان..
(استيقظ مثل كل مرة.. أنظف حيزاً من الهواء.. أفكر كيف أملأ رصيدي بالدهشات..).
وسنلاحظ أن مقطعاً صغيراً مدهشاً افتتح الديوان..
(أكتب الشعر لأنجو.. فما أشد انسكاب الخمر في تأويل الحبر.. أكتب الشعر لأترع لذتي بالسلام.. وأذهب في صوفية البوح أدراج الخرافة..).
يمكن القول إن ليزا في عملها الأول (لا إثر لرأسي الأول)..، هي ليزا في عملها الثاني.. وهي هي في عملها الثالث الجديد، لكن في مسيرتها يمكن أن نجد فرقاً في مشهديّة القصيدة، فهي تدهَش لانسكاب الخمر في تأويل حبرها، وتذهب في صوفية البوح أدراج الخرافة، وقد منحها تأويل الحبر نشوة الخمر، وسايرت صوفية بوحها بطريقة خرافية، هي تقصد بالتأكيد من لفظة (أدراج الخرافة) الإشارة الى المضي بعيداً في تأويل حبرها.. نصها، وليس خرافة وجوده.. الذي يحيل إلى نفي الوجود أصلاً، لكن السّريَلَة هنا لا تعني عدم الاعتداد بتأويل النص، على العكس من صرامة المشهد والأدوات في السريالية، التي لا تعنى كثيراً بمسألة التأويل، وتترك للمتلقي إنتاج معناه هو بطريقته، من مشهدية تتيح إنتاج معان متعددة دون دلالات واضحة أو مقررة سلفاً، سريالية ليزا هنا لا تمضي في هذا الاتجاه بشكل مفتوح ومطلق كجورنيكا شعرية، فتشدد على مسألة التأويل، وهي بالقطع دعوة إلى فهم النص، ولا بأس أن تنتشي هي بفهمها أيضا، الذي يمكن أن تشترك به مع المتلقي، وحقيقة أن سريالية قصيدة الحداثة ، لا تتعدى في عموم أحوالها الاغتراب بين الكلمات في الجملة الشعرية.. أو تبادلية الموقع، بحيث لا تحيل إلى واقعية الإنشاء، يقولون عنه الانزياح، لكن حتى في هذا، وإن أعطى عمقاً وبُعداً مفترضاً أو حالّا، فإن التغريب أو الانزياح لا يكون هدفاً في الجملة الشعرية للإدهاش أو إثارة المتلقي الا للمبتدئين والهواة، وهذا ما نلاحظه في ديوان الشاعرة ليزا الجديد، فهي لا تتقصد الصياغات المدهشة، وإن كان ذلك من حقها، وإن ادهشتنا فعلا.. لكنه ليس مشروعها كما بدا في عملها الجديد.
ويبقى التصييغ مؤشراً على مشروع النص عموماً.. بحيث لا تطغى لغة النص عليه، لا في مفرداته ولا في انزياحاته وتغرّبه
(أنا جنيّة الحبر التي تكذب.. سألني عامل البار عن عمري.. قلت شلّال ورد.. سألني زوجي عن قلبي.. صرت أضحك..)
حقيقة تبدو عفوية الصياغة في أعلى مستوياتها، فلا هي (الشاعرة).. تخلت عن منهجها الحداثي.. ولا هذه اغرقتها.. كفارسٍ مجّرب.. أخرج قدميه من الركاب غير حافل بالأخطار..
تشرح ربما هذا..
(جوقة المعنى في اللامكان.. ترتّب الزنابق في الصمت لتغوينا..
نسّاج الخيال يجمع الشهب.. يختار أصفاها ليصنع القمر..
أنا ذاتها.. سوناتا الأزرق من سكنى السماء.. ألا ترى شامتي الثرثارة التي ضحكت يوماً في مرآتك؟ ألا تعرفني من سكوتي الماطر في إفلاس صحاريك؟ أتسمعُ عطري يدندن مقامَ أنفاسك؟ نعم.. أنا ذاتها.. من صنعت للبحر شرفة ذات يوم.. ورمَتْ أزرقها في صدرك..)

الشاعرة هنا تقف غير مبالية كثيراً ربما بمسألة الانزياح والتغريب كأداة وهدف، لكن حداثتها الأصيلة وعفويتها تبقيها في ذروة نشوة التأويل، وإن بدا في عملها الجديد في متناول القارئ أكثر منه في أعمالها السابقة، تأويل ممكن، أو مشترك، لا يترك للمتلقي فقط أن يصنع معنى مستقلاً من النص على طريقته، بل يشاركه دلاليا.. أو بطريقة الفكرة الموجهة لا الضاغطة.
بقي أن نقول، ليزا خضر شاعرة تتقن لغة الشعر، وهو ما يعتبر فيصلاً في التفريق بين الأجناس.. القصة والخاطرة والشعر، وتعرف أن الإعجاب والطرب دليل جودة النص لا إحالة لجنسه، وهو ما نلاحظه في عموم ما ينشر من نصوص هي حقيقة جميلة ورشيقة، لكنها لا تنتمي للشعر لغة أو مبنى، وما يفرق بين الأجناس الأدبية هو لغتها، ليزا تعرف أن الخَوْطَرة لا تصنع قصيدة، فتبتعد في مجازات القصيدة الطويلة، التي لا تفلت حبكتها، وتنتج عالمها الشعري المتجدد والمتوالد…

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين