فنان عالمي

حين الرغبة في تبجيل فنان ما، يحلو لكثير من المشتغلين في الشأن الثقافي والإعلامي وصفه بالعالمي، دون تحديد المعايير التي تجيز هذا الوصف، وقبل ذلك دون الالتفات إلى أهمية أن يكون الفنان عالمياً، خاصة حين يكون شبه مجهول في بلده، فلا يكفي أن يبيع فنان لوحة لزائر أجنبي حتى يصبح فناناً عالمياً، ولا حتى أن يشارك في معرض ببلد غير بلده، أو يقيم في ذلك البلد البعيد.

مع الاتساع المستمر في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، أصبح كلّ فنان في العالم، فناناً عالمياً، لأن أعماله صارت متاحة للمشاهدة من قبل الجمهور العالمي الافتراضي. في حين أن المعايير الحقيقية للعالمية ليست هنا، وإنما في دخول أعمال فنان إلى متحف عالمي، وعرضها للجمهور. أو دخول تجربته في المناهج التعليمية لدول متقدمة ثقافياً وفنياً، أو صدور أبحاث عن هذه التجربة من أمثال تلك الدول. الا أن هذه الأمور لا تحصل في عالمنا بمعزل عن اعتبارات غير ثقافية أو إبداعية. الفن التشكيلي ( كما الموسيقا والرقص ) هو فن عالمي بحكم بنيته ، لأنه يظل قادراً على الوصول إلى المتلقي مع اختلاف الثقافات، وذلك لعدم حاجته إلى مفردات لغوية، أو وسيلة تعبير تعتمد لغة بذاتها. والعالمية تختلف جذرياً عن العولمة التي تعني (في عمق حقيقتها) إحلال ثقافة واحدة مهيمنة محل الثقافات المتعددة، و هذا هو السبب الذي أنتج جبهة واسعة لمعارضيها بين المثقفين، ودعا هيئات ثقافية دولية لأن ترفع شعار: « لنحافظ على تنوعنا الخلّاق».

إن أهم ما عرفه زمن العولمة هو الثورة التقنية الهائلة في وسائل الاتصال، بدءاً من البث الفضائي التلفزيوني، وصولاً إلى شبكات الانترنت. و هي ثورة أتاحت إمكانية غير مسبوقة للتبادل الثقافي، و التعرف على الإبداعات الفنية لشعوب العالم. لكن هذا يظل افتراضاً نظرياً في ظل التباين الهائل في الإمكانيات المادية بين دول العالم، و خضوع القسم الأعظم من تلك الوسائل إلى سيطرة مراكز القوة الاقتصادية و السياسية فيه. و بالتالي فإن تدفق المعارف الثقافية و الإبداعات الفنية تأخذ – إلا فيما ندر – درباً وحيداً يتجه من المجتمعات الأقوى و الأغنى والأكثر سيطرة على وسائل الاتصال، إلى المجتمعات الأخرى. بحيث لا تفقد المجتمعات الأضعف قدرتها على المساهمة في استكمال صورة الثقافة العالمية فحسب، و إنما قد تغيب كلياً عن الصورة بحيث تبدو النتاجات الإبداعية للبشرية، بما فيها تلك التي تنتمي إلى العصور السابقة، و كأنها تختص ببعض الجماعات البشرية دون سواها. يزيد الأمر بؤساً أن ما سبق يلتقي مع المصالح السياسية و الاقتصادية للمجتمعات الأقوى، مع أنه يتعارض مع فكرة غنى و تنوع الثقافة الإنسانية، إلى حدّ إلغاء أجزاء هامة من تراثها. و الأمر هنا لا يقتصر على تزييف نسب هذا التراث كما حصل في غير مكان من عالمنا (فلسطين مثلاً)، و إنما يعني الدلالة الحرفية لكلمة إلغاء، و هو فعل يحدث بأشكال مختلفة لم تعد تعتمد على السيطرة السياسية و العسكرية المباشرة، و إنما صار حدوثه ممكناً و شائعاً بحكم التأثير المتنامي و اللا محدود لوسائل الإعلام في تغيير المفاهيم والثقافات.

في الأمر الواقع تتجه مجتمعات عدة نحو نموذج ثقافي واحد متخلية عن خصوصيتها، و عن محاولات تطوير هذه الخصوصية و تحديثها، في حركة لا تبدو انفتاحاً على العصر و الثقافات الأخرى، بقدر ما تبدو إلغاءً لبعض الملامح الأصيلة التي تترجم تاريخاً طويلاً و ثرياً من التطور الإبداعي و الحضاري، و التناغم بين الإنسان و محيطه، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقة بين مشاهدات الإنسان الأولى وتكوّن ذاكرته البصرية ومن ثم ثقافته وفلسفته الجمالية. و قد كانت تلك المشاهدات تنهل من نبعين أساسيين: أولهما :البيئة الطبيعية المحيطة، و ثانيهما :الحياة الاجتماعية، متضمنة ترجمة الأسلاف البصرية لما رأوه وتخيلوه، و للمفاهيم و المعتقدات و الأساطير .

وحين يتم التخلي عن ذاكرة الجغرافيا والتاريخ يكون المجتمع قد بدأ الرحلة الأخيرة على طريق التلاشي والاندثار.

إضاءات – سعد القاسم

آخر الأخبار
"أمازون": هجمات سيبرانية إيرانية تمهد لعمليات عسكرية مباشرة نقص حادّ بخدمات البنية التحتية في "بابا عمرو" بحمص  "نقل اللاذقية".. جودة بالخدمات وسرعة في إنجاز المعاملات  بمشاركة وفد أردني و233 شركة محلية ودولية.. انطلاق معرض "سيريا هايتك"  بعد جولته في الجنوب السوري.. نتنياهو يتحدث عن الاتفاق الأمني على منصة "أبو علي إكسبرس"  سوريا تعيد تنشيط بعثتها الدائمة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتعيّن مندوباً دائماً  تخريج  نحو 500 طالب وطالبة طب أسنان وصيدلة في جامعة حمص  مدير تربية حلب يعد معلمي مناطق الشمال بدعم مطالبهم إدانات سعودية وكويتية لانتهاك سيادة سوريا.. واستفزاز إسرائيلي جديد في جنوب البلاد  الجولان السوري أرض محتلة.. الولاية فيه للقانون الدولي والشرعية حصرية لسوريا    الرئيس الشرع يستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية  ذراع "الكبتاغون" بين سوريا ولبنان.. نوح زعيتر في قبضة الجيش اللبناني أول رسالة عبر "سويفت".. سوريا تعود إلى النظام المالي الدولي    قاضية أميركية توقف قرار إدارة ترمب إنهاء الحماية المؤقتة للسوريين دمشق تستقبل طارق متري لمناقشة قضايا سيادية وزير العدل يعزز التعاون القضائي مع فرنسا  السودان يثمّن دور السعودية وأميركا في دفع مسيرة السلام والتفاوض توليد الكهرباء بين طاقة الرياح والألواح الشمسية القطاع المصرفي.. تحديات وآفاق إعادة الإعمار الخارجية توقع مذكرة تعاون مع الأمم المتحدة لتعزيز قدرات المعهد الدبلوماسي