الثورة أون لاين – هلال عون:
يتحدث كثير من الكتاب والمحللين العرب عن أن أميركا ستغادر منطقتنا قريباً، وأن أهمية دور (إسرائيل) الوظيفي قد تراجعت كثيراً بالنسبة للغرب.. وبعضهم يذهب إلى حد القول بأن الغرب سيتخلى عنها!.. ويبنون وجهة نظرهم هذه على تغيُّرات حصلت في مجال الطاقة، مثل:
– إنتاج النفط الصخري في أميركا بكميات تكفيها، بل وتزيد على حاجتها!.
– التحول العالمي باتجاه الطاقة النظيفة.. ما يعني أن سر الاهتمام والدعم لشرطي المنطقة قد ضعف، وربما سينتهي.
ويرى أصحاب هذا التوجه من المحللين أن هناك مُستجدَّين (الأول، أمنيٌّ، والثاني واقتصادي) يدفعان الغرب لمغادرة منطقتنا، أو لتخفيف اهتمامه بها، وهما:
1 – الصعود الاقتصادي للصين التي تفوقت على أميركا، وباتت أقوى قوة اقتصادية في العالم.
وهذه حقيقة أكدها تقرير لصندوق النقد الدولي: “أصبحت الصين الاقتصاد الأكبر في العالم، إذ إن حجم الاقتصاد الصيني يقدر بـ24.2 تريليون دولار مقابل 20.8 تريليون دولار للاقتصاد الأميركي، وذلك إذا تم تقييم الاقتصادين بناء على معيار تعادل القوة الشرائية PPP”.. (من نشرة RT arapic 25 / 10 / 2020).
2 – تمكُّن روسيا من التفوق على أميركا في مجال صناعة وتطوير الأسلحة الصاروخية.. وهذه أيضاً حقيقة، وفقاً لتقرير صادر عن معهد ميتشل لأبحاث الفضاء الجوي: « تملك روسيا أحدث صاروخ Dagger فائق الدقة فوق صوتي، عابر للقارات، قادر على الطيران بسرعة تفوق الدفاع الصاروخي الأميركي بمقدار 20 ضعفًا.
كما استطاعت امتلاك صاروخ مجمع Avant-garde برؤوس حربية تفوق سرعة الصوت، ما سبب الذعر بالولايات المتحدة، وفقًا لتقرير صادر عن معهد ميتشل لأبحاث الفضاء الجوي.. وتعد أنظمة الدفاع الجوي الأميركية قديمة ولا يمكنها مواجهة مثل هذه التهديدات”.. (من نشرة 6 / 5 / 2019 – noonpost).
وبالعودة إلى القول بأن الاهتمام الأميركي بمنطقنا العربية يضعف للأسباب السابقة، وربما سينتهي إلى مغادرتها.. الخ.. فإن هناك رأياً آخر يقول بأن كل ما تقوم به أميركا، كسحب بعض منظوماتها الجوية وتخفيف عدد قواتها في العراق، وسحبها من أفغانستان، وحديثها عن إنهاء الحرب في ليبيا واليمن.. الخ، ما هو إلا إيهام بأنها ستتغير، وأن كل ذلك، يأتي ضمن إعادتها ترتيب أوراقها في المنطقة العربية وفي آسيا عموماً، وأن كل ما تقوم به يأتي ضمن “استراتيجية بايدن الناعمة”، التي تهدف إلى تبريد بعض بؤر التوتر التي تستنزف أميركا، ولكن مع الحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية، وذلك بإدارة الحروب من الخلف، أو عن بعد عبر وكلائها في بعض المناطق، وبإعادة التموضع في أماكن أخرى من العالم، بما يسهّل عليها مواجهة الصين وروسيا.
ويمكن ملاحظة أن أميركا تعيد انتشارها بحسب أولوياتها المستجدة والملحة لمواجهة روسيا والصين.
فلننظر – على سبيل المثال – إلى إعادة التموضع التي تقوم بها، بدءاً من بحر البلطيق وأوكرانيا وبولندا والبحر الأسود، مروراً بشرق المتوسط وصولاً إلى الأردن والسودان وجزيرة سقطرى.
فهي بهذا التموضع تحاول منع الصين من تنفيذ مشروعها العملاق الحزام والطريق، وذلك بقطع طرقه البحرية والبرية ومنع وصوله إلى أوروبا.
ولذلك وضمن هذه الاستراتيجية تعود الإدارة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران لاحتوائها -كما تعتقد-.
وتريد من السعودية وحلفائها إنهاء الحرب على اليمن لأنها فوجئت بإرادة الشعب اليمني وبقوته الصاروخية التي قد تجعلها مع حلفائها يخسرون الحرب.
وستنسحب من سورية والعراق لاحقاً للأسباب نفسها المتعلقة بوقف استنزافها وإعادة رسم سياساتها، التي تحقق لها أهدافها في المنطقة، وفي مواجهة الصين وروسيا -كما تعتقد-.
وإن لم تفعل وتنسحب قريباً من الدولتين فإن استراتيجيتها الناعمة في إدارة العالم، وخاصة في منطقتنا ستتعرض للفشل، وستتكفل سورية والعراق وحلفاؤهما بذلك.