الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
عديدة هي المحاور الغنية والمتشابكة في الحكاية الرابعة (سحق الطغاة) من سلسلة (لأنها بلادي) إخراج نجدة أنزور وتأليف محمود عبد الكريم ، إنتاج وزارة الإعلام – المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ، وهي الحكاية التي دارت أحداثها بالمنطقة الجنوبية في حوران والسويداء وريفها ، حيث كان هدف الفصائل المسلحة الهجوم على مطار الثعلة العسكري للسيطرة عليه ونقل عملياتهم إلى قطاع ازرع ، وكما في الحكايات السابقة تلاحمت أساطير الصمود والبطولة للجيش العربي السوري مع حكايات اجتماعية وإنسانية تداخل فيها الخاص مع العام ، فسُلِّط الضوء بكثير من الدفء على خصوصية البيئة عبر اللهجة والملابس وطبيعة المكان والطقوس اليومية والتفاصيل الاجتماعية والحياتية والأهازيج ، والصلة الوطيدة التي تربط الفلاح بأرضه وشجر الزيتون الذي يحمل دلال الأصالة والتجذر بالأرض ، إضافة إلى إظهار المبادئ والقيم النبيلة والعلاقات الإنسانية حيث الطيبة والعفوية سمة القلوب التي تحمل بالوقت نفسه الأنفة والشموخ والشهامة .
حرص العمل على تقديم معلومات ووثائق تُظهر تبعية المسلحين للخارج وتحوّلهم إلى مجرد أدوات لتنفيذ ما يؤمرون به ، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال الأحداث خاصة لدى الحديث عن الاجتماعات التي ضمت مسلحين مع إسرائيليين وأجانب من جنسيات مختلفة ، وغرفة الموك التي يتم فيها التخطيط وإدارة عمليات المعارك ، وما يُقدم للإرهابيين من دعم مباشر عبر الرواتب المالية والأسلحة والرصد والتدريب .. ذلك الدعم كله قدم لعدة أهداف بما فيها حلمهم في السيطرة على طريق الشام الواصل بين حوران والغوطة والسيطرة على تل بريم المحصن ليكشفوا المنطقة والتلال كلها ، ولكن بقيت أمنياتهم أضغاث أحلام دفنها الجيش في مكمنها مُكبّداً الإرهابيين وداعميهم الكثير من الخسائر ما أثر بشكل كبير على روحهم المعنوية حتى أن أحد المسلحين آثر الانتحار بعد الهزائم المدّوية .
وأكدت الراوية (أدت دورها الفنانة نادين) خلال كلامها، تهاوي المجموعات الإرهابية في تل العروس ثم تل قرين الذي فتح الطريق نحو كفر ناسج أكبر تجمع للمسلحين في ريف درعا ، ومن ثم تلال فاطمة وحصر المسلحين بين أرياف درعا والقنيطرة . فحشد الإرهابيون الصفوف سعياً لاختراق مطار الثعلة (غرب مدينة السويداء) ولكن ما لم يحسبوا له حسابا أن الجيش والمجتمع الأهلي هناك كانوا يداً واحداً تحت راية العلم الوطني ، فرفض الأهالي الوقوف بمكان المتفرج واندفعوا بعنفوانهم ليدافعوا عن القرية والمطار ، وتعتبر معركة مطار الثعلة أسطورة وملحمة بطولية بكل ما للكلمة من معنى . وقد رافق انتهاء المعارك مشهد مراسلة حربية تتحدث لكاميرا التلفزيون العربي السوري عن أسطورة صمود أبطال المطار ، وليس أبلغ من مشهد النهاية الذي تمازجت فيه أصوات زغاريد عرس أحد الضباط مع مشهد للجيش المنتصر وهو يقوم بتمشيط منطقة المعركة ، أوصلت الكاميرا هنا دلالة الأمان الذي يصنعه حُماة الوطن .
جاء الحوار محكماً مليئاً بالمعلومات خاصة تلك المتعلقة بآلية سير المعارك ، وكثيراً ما حمل جملاً حوارية تلخص حالة متكاملة بتكثيف عالٍ ، منها على سبيل المثال الضابط الذي رفض المساومة على خيانة رفاق السلاح وإن كان الثمن حياة والده المخطوف ، ولم يظهر الجنود بمظهر المقاتل فقط وإنما هناك جوانب أخرى سعى الكاتب للإضاءة عليها بما فيها الحب وما يحملون من نبل الأخلاق ، وعلى المستوى البصري سعى المخرج إلى إضفاء حالة من الإبهار في مشاهد المعارك الشرسة التي تكبد فيها المسلحون هزائم كبيرة ، وجاءت كاميرته تارة مقتحمة وتارة متربصة ترصد التفاصيل وتارة ثالثة تلاحق الحالة الإنسانية تارة أخرى نراها تراقب عن بعد ملتقطة روح المشهد ناقلة من خلاله نبض الحدث ، حتى أنها تواجدت أحياناً داخل العربات العسكرية وقت المعارك.