لا أسهل على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين من الإتجاربحقوق الإنسان حول العالم وتحويل هذه القضية النبيلة إلى مزاد غيرمشروع، واستخدامها كذريعة دائمة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، كما يحدث اليوم مع كلّ من روسيا والصين والعديد من الدول الأخرى التي ترفض وتناهض سياسات الهيمنة والغطرسة الأميركية، في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة نفسها أبشع الانتهاكات في هذا المجال، ويشهد لها تاريخها العنصري بحق الهنود الحمر والملونين بشكل عام بأنها الأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان في العالم، في حين لا تحرك ساكناً إزاء قيام حلفائها وخاصة الكيان الصهيوني الذي ينتهك ويغتصب حقوق الفلسطينيين والعرب منذ نشوئه في منطقتنا قبل أكثر من سبعين عاماً.
اليوم تشتد الحملة الأميركية ضد الصين تحت عناوين حقوقية، وتفاجئنا إدارة بايدن كلّ يوم بحمية وغيرية غير متوقعة تجاه قبائل الايغور في شرق الصين، في حين لا يخفى على أحد أن ما تمارسه واشنطن في هذا المجال هو مجرد ابتزاز وضغط سياسي ومحاولة لتشويه سمعة الصين الصاعدة بقوة على المسرح العالمي كقوة اقتصادية وإنسانية لفرملتها، إذ لا تبالي واشنطن بعشرات الملايين من الشعوب التي أنهكتها العقوبات الأميركية وسياسات الحصار الظالمة المتواصلة، ولا بتلك الدول التي دمّرتها الحروب الأميركية كأفغانستان والعراق، حيث المشهد اليوم يتحدث عن نفسه بكلّ وضوح، فبعد أن دمّرت أميركا ما دمّرت وقتلت وشردت الملايين، نراها تنسحب دون أن تحمّل نفسها وزر المشكلات والأزمات والمصائب التي خلفتها وراءها، وكأن لا دخل لحروبها وتدخلاتها العسكرية بها.
عندما سئلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت عن مئات آلاف الأطفال العراقيين الذين لقوا حتفهم بسبب الحصار الأميركي الخانق أجابت بكل فجاجة وغرور “نعتقد أن الثمن يستحق ذلك” فأي ثمن يوازي مقتل هذا العدد الكبير من الأطفال الأبرياء، واليوم تواصل أميركا حصارها غير الأخلاقي وغير الإنساني للشعب السوري بذرائع باطلة وواهية، وحينما يُسأل أي مسؤول أميركي عن ذلك يتقمص دور “الملاك” ليدعي أن ذلك في مصلحة السوريين ومصلحة الحل السياسي في سورية، في مغالطة وفجور ما بعده فجور، فكلّ ما جرى في سورية منذ عشر سنوات ونيف تم بتخطيط وتآمر وتدخل أميركي مباشر، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل ثمة مصلحة للسوريين باحتلال جزء من أرضهم وسرقة ثرواتهم النفطية من قبل الأميركيين وإطالة أمد الحرب، وأي مصلحة للسوريين في قيام كانتونات عرقية وإرهابية انفصالية على أرضهم برعاية أميركية..؟!
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود