الملحق الثقافي:عبد الحكيم مرزوق :
«علميّة الأدب ونظريته» عنوان المحاضرة التي قدمها الباحث الدكتور «جودت إبراهيم» بفرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، بحضورِ جمهورٍ من الأدباء والمهتمين بالأنشطة الثقافية، وفيها توقف عند علم الأدب، الذي هو ضربٌ من ضروب المعرفة، يجمع كلّ أنواع الأدب، ويتسلّح بصرامةِ البحث العلمي السليم، معتمداً على المناهجِ العلمية، متقصِّياً جميع أنواع الصلات والعلاقات التي يقوم عليها الأدب في الماضي والحاضر. وميّز فيه ثلاثة أقسام رئيسة هي: نظرية الأدب، تاريخ الأدب، النقد الأدبي، معرّفاً الأدب بأنه فعل إبداعيّ يقوم به مبدعٌ في مجتمعٍ محدّد، باستخدام لغة ذلك المجتمع مادةً لإبداعه، لتنتج عن ذلك آثار مكتوبة، لها خصائص الإبداع كلّها، من فكرٍ وصياغةٍ وتصويرٍ للمجتمع، وتعبير عن تجربة شخصية، مع غلبة الطابع الجمالي على الغرض المعلوماتي.
طبيعة الأدب:
يجد الدكتور «إبراهيم»، أن الأدب يتشكّل من مكوّناتٍ ثلاثة: (المكوّن المرجعيّ- المكوّن الفكريّ- المكوّن الفنيّ – الجماليّ)، معتبراً أن الشكل والمحتوى مفهومان جماليَّان، يرتبطان بجوهرِ الفنِّ ذاته، ويتبلوران في الأدب، ويتحدّدان بطريقةٍ تميِّزه من أشكال الفنّ الأخرى، فالعمل الفني ينقسمُ إلى مظهرٍ خارجي يُدرك حسياً، وجوهرٍ داخلي.
أما ما توصّل إليه، فهو أن أصحاب النظريّة الماديّة، يؤكّدون أنَّ الشكل تحدده المادة (المحتوى)، فأشكال المنازل تتعلّق إلى حدٍّ بعيد، بخصائص المادة المستعملة في بنائها، أي إنَّ شكل الشيء مرتبطٌ بوظيفته الاجتماعيّة، ارتباطاً مباشراً.
رأى أيضاً، أن المحتوى والشكل في الفنّ يعكسان الحياة، لذا فإنهما يؤلّفان كلاً واحداً لا ينفصل، فالأعمال الأدبية كائناتٌ عضويّة نامية متكاملة، لا تستطيع بتر جزءٍ منها دون إيقاع الأذى بها، وعندما نقرُّ بهذه النظرة العضوية للعمل الأدبي، يتلاشى الحاجز الموهوم بين الشكل.
ينتقل إلى المذاهبُ الأدبية، وقضيَّة الشكل والمحتوى، وهي حسب تصنيفها:
1- المذهبُ الكلاسي (الاتِّباعي): يفضِّل الشكل على المحتوى، فهو يقوم على تقليد القدماء بالألفاظ والمعاني والتعابير والتراكيب، وعلى محاكاتهم في الشكل والموضوع.
2- المذهبُ الرومنسي: يعارض المذهب الكلاسي، ويفضِّل المحتوى على الشكل، ولذا كان أدب الرومنسيين بسيطاً خالياً من حذلقات الصنعة، وكانوا يرون أن الجمال إحساسٌ داخلي، وليس شكلاً مجرداً كما هو عند الكلاسيين.
3- المذهبُ الرمزي: لا يرى من الأدب إلا الشكل، والشكلُ ذاته عند الرمزيين يعدُّ مضموناً، فهم يرون أن الأدب يقوم على إشارات ورموز وإيحاءات متداخلة، تشكِّل محتوى العمل الأدبي.
4- المذهبُ السريالي: يُغيِّبُ المحتوى كلياً، ويرى أنَّ العمل الأدبي، ليس فيه إلا الشكل، إذ ليس من الضروري أن تجد فيه محتوىً أو مضموناً أو معنىً، لأنَّ فيه سحراً متمثلاً في الشكل.
5- المذهبُ الواقعي: يؤكّد أصحاب المذهب الواقعيّ، العلاقة الجدلية بين الشكل والمحتوى، وينتقدون التطرُّف نحو الشكل، أو نحو المحتوى، فالشكل عندهم لا يتحقَّق بمعزلٍ عن المحتوى، واختيار الشكل مرتبط بطبيعة التشكيل الاجتماعيّ والاقتصاديّ السائدة في المجتمع، وكلُّ تفضيلٍ للشكل على المحتوى، ليس إلّا ردّة فعلٍ لطبقةٍ سائدة، ويرون أنَّ الشكل في أدبِ الطبقة الثورية، مرتبط بالمحتوى من خلال الأسلوب، الذي ليس هو مجرَّد ألفاظ وتعابير ورموز وإشارات وإيحاءات، بل طريقة معاناة ومعايشة للواقع الاجتماعيّ، في عصرٍ محدَّد، ومرحلة اجتماعيّة محدَّدة.
ووجد الباحث «إبراهيم»، أن الفارق بين المحتوى والموضوع، يكمن في أنَّ موضوعاً واحداً يستطيع أن يتجسَّد في محتوياتٍ متباينة، إذ يمكن لفَنّانَين مختلفَين أن يتناولا موضوعاً واحداً، ويتحوَّل هذا الموضوع عند كلٍّ منهما إلى محتوى مختلف، فموضوع الحصاد مثلاً، يمكن أن يتناولُه شاعرٌ ليجعل منه قصيدةً غنائية، أو يتناوله روائيّ ليجعل منه لوحةً شعبية.
وفي حديثه عن العلاقة بين النصّ والمبدع والمتلقّي، وجد أن الدراسات الحديثة في النقد ونظرية الأدب، تميل إلى جعل الظاهرة الإبداعيّة في منظومتين، أولهما (مبدع النص) وثانيهما (النص والمتلقي)، وولادة النص الأدبيّ:
يولد العمل الأدبي فكرة أوليّة، وحتى يصل إلى مرحلةِ النضج والاكتمال، ينمو وقتاً طويلاً في ذهن الكاتب، كما ينمو الجنين في رحم أمه، إلى أن يخرج إلى الضوء، فينفصل عن صاحبه، فيبدأ حياة مستقلّة بعد أن يصبح مادة للاستقبال الأدبيّ.
قال أيضاً، إن مصطلح المدرسة في نظرية الأدب: يعني أنّ مجموعة من الأدباء، تشابهت أساليبهم الفنيّة، وتوجّهاتهم الفكريّة، ونزعاتهم العقائديّة، ونظرتهم الجماليّة، وتقاربت إلى أن ألّفت مذهباً له روّاده وأتباعه، وليس بالضرورة أن يعرف أصحاب هذا المذهب بعضهم بعضاً، بل يكفي أن يلتقوا في السمات العامّة التي تميّزهم، وأضاف أن نشوء المدارس الأدبية، ارتبط بظهور أجناسٍ جديدة بالأدب، مثل (الرواية والقصة والمسرحية وأشكال جديدة للشعر)، كما ارتبط نشوء المدارس الأدبية بالتيارات الفلسفيّة السَّائدة، فهي إمَّا مرتبطة بالفكر المثاليّ وإما بالفكر الماديّ، ويرى أصحاب الاتجاه الذي يربط ظهور المدارس بالاتجاه الفلسفيّ السائد، أنَّ المدارس الأدبيّة ثلاث (كلاسيّة، رومانسيّة، واقعيّة) وماعدا هذه المدارس الثلاث، يعدُّ تيارات أو اتِّجاهات تفرَّعت عن هذه المدارس.
وفي حديثه عن وظيفة الأدب قال: للشعر عدّة وظائف ممكنة، ووظيفته الأولى والرئيسة هي، أن يكون أميناً لطبيعته، فاستعمال الشّعر، كأيّ موضوع، أو صنف من الموضوعات، يُستعمل أحسن ما يكون الاستعمال وأعقلُه، حين يستعمل لما وضع له أساساً، ويكتسب استعمالاً ثانوياً حين تضمر وظيفته الرئيسة فقط. كذلك فإنّ طبيعة الشيء تنتج عن استعماله.
ورأى أن المفهوم الرومانسي جاء مخالفاً للنظريتين الكلاسيكية (القديمة) والهادفة، ليركّز على العالم الداخلي للشَّاعر، منوّهاً إلى إعطاء الخيال أهمية عظمى، والتفكير بالطبيعة على أنّها كائنٌ حيّ. وأضاف للشعر الرومانتيك. عموماً هدفين فنيين:
1- توفير المتعة للمتلقي: وهذه المتعة تتمُّ نتيجة للمشاركة التي تحصل بين الشاعر والمتلقّي، ونتيجة للعنصر الجماليّ الذي يحتوي عليه الشعر. «إنّ الشعر يرفع الحجاب عن الجمال المخبّأ في العالم».
2- الكشف عن الحقيقة في أعمق صورها وأتمّها: «إنّ الشاعر حين يغنّي أغنية، ينضمّ إليه فيها كلّ بني البشر، إنّما يكون في حضرة الحقيقة».
يختم د. «إبراهيم» محاضرته بالقول: «إنّ الشعر متعة، ولكنه ليس كأيّة متعة عادية، إنّه متعة رفيعة، لأنّه متعة بالتأمل. فكيف نوفّق بين المتعة والفائدة وظيفة للشعر؟.. كيف نوفّق بينهما بشكلٍ ينصفهما معاً، في آنٍ واحد؟..
التاريخ: الثلاثاء13-7-2021
رقم العدد :1054