الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
في الوقت الذي تتهيأ فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمغادرة منصبها، ومع بقاء أميركا متأثرة بالحقبة الترامبية، فإنه لا يمكن للألمان على الإطلاق الاعتماد على حاميهم التقليدي ولا حتى السعي وراء الاستقلال الاستراتيجي الصريح، وفي عالم مليء بالمخاطر وعدم اليقين، قد يكون التاريخ الطويل والمعقد للعلاقات الثنائية بين واشنطن وبرلين على وشك الدخول في مرحلة جديدة.
إن الزيارة الأخيرة التي قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى البيت الأبيض هذا الشهر توفر فرصة مثالية للتفكير في ماهية العلاقات الأميركية الألمانية، لكنها بالتأكيد ليست فرصة عاطفية.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، رعت الولايات المتحدة عملية إعادة إعمار البلاد وانتعاشها الاقتصادي، ويمكن تلخيص هذه الحقبة تحت عنوان “الحامي والجناح”، والذي كان أكثر بكثير من الفصل السابق والذي كان عنوانه الرئيسي “العداء والحرب”.
في ذلك الفصل، انتهى سعي ألمانيا الدؤوب لتكون قوة عالمية في حربين عالميتين وحشيتين بهزيمتها الكاملة والمطلقة، فقد ترك انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ألمانيا مقسمة إلى أربع مناطق احتلال، وفُقدت مساحات شاسعة من أراضيها الشرقية، ما أدى إلى تهجير وطرد ما يقارب 12 مليون مواطن.
وقد اعتمدت إعادة الإعمار بعد الحرب على الحماية والمساعدة الأميركية، وحدث ذلك حصرياً في أوروبا الغربية، وبالتالي في ألمانيا الغربية فقط، وفي ذلك الوقت نظر جوزيف ستالين إلى الاتحاد السوفييتي باعتباره نقطة التقاء الاشتراكية الروسية الكبرى للغرب الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومنذ أواخر الأربعينيات فصاعداً، أدى هذا الموقف الأيديولوجي والجيواستراتيجي إلى استمرار الحرب الباردة التي دارت إلى حد كبير في ألمانيا، وخاصة في برلين، النقطة المركزية للانقسام الجديد بين القوى العظمى.
ولكنهم كانوا مخطئين، لأنه وخلال الحرب الباردة اتبعت الولايات المتحدة استراتيجية متعددة الجوانب، لردع الاتحاد السوفييتي والحفاظ على السيطرة على ألمانيا، طمعاُ بموقعها الحيوي في قلب أوروبا. كما أنه لم تكن العلاقة عبر الأطلسي أبداً بالبساطة التي أرادها أبطالها، ولم تكن كذلك حتى اليوم كقوة جيوسياسية أعادت المخاوف القديمة من “المسألة الألمانية”.
عندما أصبحت ألمانيا دولة ذات سيادة كاملة بعد إعادة توحيدها، تغيرت العلاقة القديمة بين الحامي والجناح. ولكن بالمقارنة مع القوى الأوروبية الأخرى ذات الحجم المماثل، حيث أن المملكة المتحدة وفرنسا قوتان نوويتان لهما مقعدان دائمان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا يترددان في المطالبة بدور قيادي عالمي، إلا أن ألمانيا رابع أكبر اقتصاد وطني في العالم، لا تطالب على الإطلاق بأن تكون كذلك.
لذلك ستظل ألمانيا معتمدة على الضمان الأمني الأميركي لفترة طويلة قادمة. فهي لا يطاردها تاريخها فحسب، وإنما يجب عليها أيضاً إدارة الظروف الأمنية المعقدة للغاية. فهي وبحكم موقعها في قلب أوروبا، يجب عليها أن تراعي مصالح بلدان أوروبا الوسطى والشرقية الأصغر، داخل وخارج الاتحاد الأوروبي، بينما تتماشى أيضاً مع روسيا القوة العظمى والمسلحة نووياً بشكل متزايد.
علاوة على ذلك، يجب على ألمانيا أن تأخذ في الحسبان المصالح الاستراتيجية لحاميها (الولايات المتحدة)، على الرغم من أنها لا تتوافق دائماً مع مصالحها الخاصة. فواشنطن منخرطة في مواجهة متصاعدة مع الصين، القوة العالمية الجديدة في القرن الحادي والعشرين، ولكن الصين هي أحد أهم شركاء ألمانيا التجاريين. والأهم من ذلك هو الاتحاد الأوروبي، الذي تلعب ألمانيا دوراً رئيسياً في تشكيله، إذاً الدبلوماسية الألمانية هي مشروع معقد للغاية، على أقل تقدير.
إلا أنه في ظل رئاسة دونالد ترامب، التي ألحقت أضراراً بالغة بالعلاقات الأميركية الألمانية أكثر من أي وقت آخر ومنذ الحرب العالمية الثانية، كان السؤال المطروح على الرئيس جو بايدن هو ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة استعادة ثقة حلفائها. ماذا يحدث إذا استؤنفت حقبة ترامب، إما مع ترامب نفسه أو مع أحد مساعديه الطموحين؟.
بالنسبة للألمان، فإن هذا السؤال سيقزّم كل الاعتبارات الأخرى في السنوات القادمة. لم تعد العلاقة بين الحامي والجناح فعّالة، ولكن لا يمكن لألمانيا أن تؤسس لنفسها دوراً مستقلاً تماماً في إطار أوروبي. ومما زاد الطين بلة، أن الاختلافات في المصالح، بدءاً من علاقاتها مع كل من الصين وروسيا، ستجلب المزيد من الجدل والاحتكاك بينها وبين الولايات المتحدة. ولكننا نأمل أن تتحدد المرحلة التالية من العلاقات الثنائية بالمستوى العالي من التسويات المهمة.
المصدر:Project Syndicate