النظامُ العالمي الجديد.. وعولمة التحكّم والنهب القاتل

 

الملحق الثقافي:هفاف ميهوب:

في «عالم جامح».. يعالج المنظّر وعالم الاجتماع الإنكليزي «أنطوني جيدنز»، قضية العولمة، وكيف أعادت تشكيل حياتنا، وأثّرت على الفرديّة منها، مثلما على عاداتنا وتقاليدنا، وعلاقتنا مع أسرتنا.. أيضاً، علاقتها بالديمقراطية، والخطر الذي ينجم عن تحكّمها بالعالم، عبر هيمنتها المؤسّساتية..
يعالج كلّ ذلك، من خلال منظورٍ فلسفيّ، معلناً وقبل البحث في أيّ شيء، بأن عبارة «عالم جامح»: «تتضمّن مشاعر يحملها كثرٌ منا، ونحن نعيش في زمنٍ سريع التحوّل»، وبأنه، وبالرغم مما لاقاه موضوعه هذا من هجوم، شنّته صحفٌ ومجلات في شتى أنحاء العالم، قد تمكن من جذبِ كُثرٌ من المدافعين، حتى وإن لم يكن أول من أطلق هذه العبارة، ذلك أن «عالم الأنثروبولوجيا الشهير «إدموند لِيتش»، كان قد استخدمه عنواناً لعدّة محاضرات»، ألقاها قبل أن يتناول هو هذا الموضوع، بحوالي ربع قرن..
يقدم «جيدنز» للكتاب، بالإشارة إلى الخطر الذي باتت العولمة تشكّله، ويهدد العالم الذي نعيش فيه، وفقدنا السيطرة عليه.. هو «عالم جامح»، حتى في بيئته ومناخه، ويعترف هنا: «نحن من فاقم هذا الجموح، لأننا استخدمنا ومنذ البداية، العلم والتقنية لخلقِ هذه المخاطر، وكان من المفترض أن نواجهها بهما».
إذاً، وعلى رأيه: «بات العلم والتقنية معولَميْن أيضاً، إذ يقدّر عدد العلماء في عالم اليوم، بأكثر من عدد جميع العلماء، الذين عاشوا في جميع عصور تاريخ العلم الماضية.. لكن، تميّزت العولمة في أبعادٍ أخرى، فهي تجلب معها مخاطر ومجهولات، لاسيما المرتبطة بالاقتصاد الإلكتروني العالمي، حديث العهد، وكما هو الحال مع العلم، فإن المخاطرة هي أيضاً، سيفٌ ذو حدّين، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإبداع، لأن الإقدام الفاعل، على المخاطرة في شؤون المال والمقاولات، هو القوّة المحرّكة، لاقتصاد مرحلة العولمة..»..
حتماً، الجميع بات يعرف ماهيّة العولمة، وأمر حداثتها وقِدمها، ويعرف بأنها أعادت تركيب الأنماط التي نعيش بموجبها، وبأنها تدار من الغرب، وتحملُ بصمات السيطرة السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة.. كما أنها تقترن، بعدم المساواة الشديدة، فيما يتعلّق بالعواقب، وهذا لا يعني سيطرة أميركا والغرب على بقية العالم فحسب، وإنما امتداد هذه السيطرة وهيمنتها، حتى على الدول المسيطرة ذاتها.
يضاف إلى كلّ هذا، أن هذه الدول المسيطرة، ورغم مناصرتها للذين يدعون إلى الاختلاط الثقافي، إلا أنها ستلاقي رفضاً من الأصوليين، الذين يرون في هذا الاختلاط كلّ الخطر، سواء في مجالات الدين، أو حتى القوميّة والهويّة، وبالتالي سيلجؤون إلى تراثٍ منفي ومُجدَّد، يدفعهم غالباً إلى العنف..
نسأل هنا، وبعيداً عن رأي الكاتب: أليست هذه الدول، هي المستفيد الأكبر، من عنفِ المتشدّدين الأصوليين، وليس لتمريرِ أهدافها الخاصة فقط، بل ولجعلهم أداة جاهلة وقاتلة، توجّها أنى شاءت أطماعها وأحقادها؟..
حتماً هي المستفيد الأكبر، والواقعُ الذي نعيشه يشهد، على أنهم كانوا ولازالوا، أداة الإجرام الأكثر استخداماً وفتكاً وتدميراً لدى هذه الدول، رغم كذبِ وادّعاءات قوّادها.
نعود إلى «جيدنز» الذي وإن اختلفنا وإياه في الكثير من الرؤى التي طرحها، إلا أن ما قدّمه، ولا يستطيع أي إنسان أن ينكره، ما نجم عن العولمة من خطورة، امتدت لتشمل حتى الأسرة الواحدة، وسواء في تغييرها لقيمها ومفاهيمها، أو حتى في طمسهما، لامبالية بالنتائج الكارثية الناجمة عن ذلك لطالما، لا تسيّرها العدالة، وإنما:
«الأمرَكة، لأن الولايات المتحدة الآن، هي القوة العظمى التي لها حضورٌ مهيمن، اقتصاديّاً وعسكريّاً، في النظام العالميّ، كما أن كثيراً من تعبيرات العولمة الشهيرة، أتت من أميركا»..
يؤكّد الكاتب بقوله هذا، بأن الدول الفقيرة والمغلوبة على أمرها، خاضعة للسياسة العالميّة، والقوى الماليّة، ما يشكّل خطراً كبيراً جداً، وهو استلاب ثقافات هذه الدول، بل تدميرها، وتكريس عدم المساواة، والحكم على الأغلبية، بالشقاء واليأس والعدم، والأخطر من كل هذا:
«إن الشركات العالميّة الضخمة، تبيع للدول الفقيرة أدوية رديئة النوعيّة، ومبيدات مدمّرة، وسجائر عالية المحتوى، من النيكوتين والقطران، وهذا لا يجعل النظام الجديد قرية عالميّة، وإنمّا نهباً عالميّاً قاتلاً..»..
إذاً، كلّما تفاقم تأثير العولمة على الشعوب، كلّما تفاقم جشع وأذى المجتمع العالميّ، فتزعزعت حياتنا، وازدادت الفوضى التي يفرضها «نظام غير آمنٍ، ومحفوف بشتى أنواع القلق، ومليء بندوب الفرقة والانقسام، حتى أن الكثير منا يشعرون، بأنهم في قبضة قوى، لا سيطرة لهم عليها..»ّ..
في الختام أقول: هي حقائق، كشفها وعرّاها أحد أبناء هذا النظام العالمي، بل أحد أبناء ديمقراطيّته المدّعاة.. «أنطوني جيدنز» عالم الاجتماع الذي لم يمنعه تصدّره للمشهد الفكري التنظيريّ، على مدارِ عقودٍ متعاقبة، ولا مساهمته القوية في تطوير النظرية الاجتماعية.. أيضاً، تناوله وفي أكثر من 35 كتاباً، ومئات المقالات والأوراق العلمية، مساحة واسعة من الأفكار الاجتماعية والسياسية، بل و»نظرية الهيكلة» التي وضعها، و»تحليل المجتمع الحداثيّ المعاصر»، وغير ذلك من كتاباته السياسيّة التي كان لها أثرها.. لم يمنعه كلّ ذلك، من أن يدعو في ختام كتابه هذا، شاكياً وباكياً:
«علينا أن نزيد من ديمقراطيّة المؤسّسات الحالية، بشكلٍ يستجيب لمتطلبات العولمة، فإن لم نتمكن من أن نكون أسياد تاريخنا، فلا بدّ لنا من أن نجد الظروف المناسبة، لإخضاع هذا العالم الجامح لسيطرتنا»….
أعتقد، كما كثرٌ مما قرأوا الكتاب، وتوقّفوا لدى العديد من طروحاته ودعواته، ولاسيما دعوته الأخيرة هذه، بأن ما يدعو إليه هو ذاته ما نعيشه، في ظلّ تزايد سعي مؤسّسات النظام العالمي، لنهبِ كلّ ما يزيد من وهم ديمقراطيّتها، وتضخّم وهيمنة عولمتها.. لكن، وإن هيّأت الظروف لهذا النظام المزيد من فرص التحكّم بالعالم ونهبه، إلا أنها لن تتمكن، ومهما واتتها الفرص المناسبة، من أن تُخضع، إلا الشعوب التي تسعى بإرادتها للتخلّي عن السيادة، راضية بأن تبقى أبداً، راضخة ومُستلبةً ومنقادة..
صدر هذا الكتاب، عن «جامعة الكوفة»، سلسلة دراسات فكرية – الطبعة الثانية 2020، وهو من ترجمة: د. عباس كاظم»، والناقد د. «حسن ناظم»..

التاريخ: الثلاثاء27-7-2021

رقم العدد :1056

 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع.. الاستثمار بوابة الإعمار واستقرار سوريا خيار ثابت المولدة تحرم أهالي "الصفلية " من المياه.. ووعود ! مسؤول العلاقات العامةلحملة "الوفاء لإدلب" يوضح لـ" الثورة" موعد الانطلاقة وأهدافها الرئيس الشرع : سوريا لا تقبل القسمة ولن نتنازل عن ذرة تراب واحدة الرئيس الشرع  يطرح رؤيةً لعهد جديد: سوريا في مرحلة مفصلية عنوانها بناء الدولة بأغلبية ساحقة.. الجمعية العامة تتبنى إعلاناً حول حل الدولتين توافق دولي في مجلس الأمن على دعم التعاون السوري – الدولي لإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية اللجنة العليا للانتخابات: إغلاق باب الترشح وإعلان الأسماء الأولية قريباً الرئيس الشرع يستقبل الأدميرال تشارلز برادلي كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية دخول 31 شاحنة مساعدات إنسانية أردنية قطرية عبر مركز نصيب ترحيل القمامة والركام من شوارع طفس "التربية والتعليم": قبول شرطي للعائدين من الخارج وزيرة الشؤون الاجتماعية: مذكرة التفاهم مع الحبتور تستهدف ذوي الإعاقة وإصابات الحرب مهرجان «صنع في سوريا» في الزبداني… منصة لدعم المنتج المحلي وتخفيف الأعباء المعيشية خطوات صغيرة وأثر كبير.. أطفال المزة  ينشرون ثقافة النظافة محافظ حماة يفتتح "المضافة العربية" لتعزيز التواصل مع شيوخ القبائل   " التعاون الخليجي" يجدد إدانته للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية  البرلمان الأوروبي يدين  منع "إسرائيل " المساعدات عن غزة ويدعو لفتح المعابر  تفاقم أزمة المواصلات في ريف القرداحة  منحة نفطية سعودية لسوريا… خطوة لتعزيز الاقتصاد والعلاقات الثنائية