لا يمر يوم إلا ونسمع التصريحات المعسولة الرنانة من التجار والصناعيين الذين أذاقونا الويل بجشعهم خلال سنوات عشر، يتحدثون فيها عن البيع بسعر الكلفة والابتعاد عن الربح وتفضيل الآخر على نفسهم، عبر مهرجانات البيع المباشر التي ينظمونها..
القضية هنا أن كل من هذه المهرجانات يرافقها حملة من التصريحات عن أهمية الحفاظ على المواطن متمكناً قادراً على شراء كل ما يريده عبر هذا المهرجان، ناهيك عن التلميع الساذج ببضائع المهرجان وأسعارها التي بات المواطن يعرفها حق المعرفة!!..
المتتبع لهذه المهرجانات يلاحظ التراجع المهم في عدد روادها من طالبي الشراء، لجهة أن غالبية من يحضرونها إنما لهدف الفرجة والمشاهدة بل وحتى التسكّع (للمراهقين منهم) وهو أمر يمكن لمن يرغب بمعرفته متابعة أبواب الصالات التي تقام فيها وإحصاء عدد حاملي الأكياس من الخارجين منها..
الغريب في الأمر هو هذه “الحنية” المفاجئة تجاه المواطن الذي لم يرحمه تاجر أو صناعي طوال سنوات من الحصار الاقتصادي، ولم يخفض هؤلاء سعر سلعة واحدة من باب المنطق أو الشرع أو الأخلاق أو القانون، بل إن مليارات الكلمات كتبت طوال سنوات عشر عن التلاعب بالتسعير الذي يمارسه التجار والصناعيون في تسعير منتجاتهم على أساس سعر صرف أعلى بمقدار 50 إلى 100% عما استوردوا على أساسه تحسباً لقادمات الأيام حتى لا ينقص ربحهم.. واليوم يبيعوننا بسعر التكلفة.. فما الجديد؟.
الجديد هو الكساد الذي يصيب الأسواق نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي تراجع الطلب على المنتجات إلى الحد الأدنى لعدم وجود من يشتريها، ناهيك عن تكلفة الحملات الإعلانية الخاصة بكل سلعة على حدة، فيكون الحل المنطقي هو مهرجانات البيع المباشر والتي لا تفرق أسعارها عن البيع العادي عبر المحال والمنافذ الأخرى في أي سوق، بل وللدقة فإن العروض التي تُقدم في هذه المهرجانات من قبيل (3 قطع بسعر مذهل) لا تحمل معها من التوفير أكثر من بضع ليرات كحد أقصى ما يعني أن البيع بسعر الكلفة أمر لم يتحقق.
لعل وزارة التموين قادرة إن أرادت على وضع حد للتدليس المُمارس على المواطن في كل ما يستهدفه من إعلانات ودعوات، وهي القادرة على محاسبة من يعلن عن تنزيلات دون موافقة مسبقة عبر طلب في الديوان..!!
الكنز -مازن جلال خيربك