الثورة أون لاين- علي الأحمد:
من المعلوم أن الموسيقى “كعلم وفن” تستند الى أسس علمية تتضمن الطبيعة والرياضيات، كما أنها تقيم حوارات مع فنون الأدب وسائر الفنون، كمانرى على سبيل المثال لا الحصر في علاقتها الوثيقة بالشعر والفلسفة وفن العمارة والنحت والتصوير والرقص والتمثيل وغيرها من ابداعات الروح البشرية، في عملية تأثر وتأثير لم تنقطع على مدار الحقب والأزمنة.
لكن الأمر تغير في العصر الحديث، وبات الجانب المادي يطغى على جوهر هذا الفن خاصة في هذه الألفية الثالثة، وبالتالي أخذ الصراع الأبدي مابين الجانب الروحي والجمالي، والمادي النفعي، يأخذ أبعاداً مأساوية، وتحديداً، في مفهوم دور ورسالة هذا الفن في الحياة البشرية المعاصرة، والابتعاد عن المسير الحقيقي لهذا الفن النبيل بمضامينه الوجدانية لصالح نتاجات مكهربة ومصنّعة في مختبرات التكنولوجيا وبرامجها الذكية، التي لاتعرف طريقاً الى عالم الإنسان الروحي والجمالي. وقد يبدو تأثير هذا الأمر بسيطاً بعض الشيء في البلاد التي تمتلك تراثاً موسيقياً عظيما وتقاليد متوارثة حافظت على وهجهها ونضارتها وحضورها الدائم في كل العصور، أما التأثير الكبير والخطير، فقد يطال تلك البلاد التي لاتمتلك مثل هذه التقاليد الراسخة، لنصل الى موسيقانا العربية التي كانت تمتلك إرثاً ضخماً من الابداع والتقاليد الموروثة وفي كلتا الموسيقتين الفنية العالمة والشعبية الأصيلة، لكن مع صعود موجات التغريب والتقليد التي سادت نهايات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، فقد أدى ذلك الى تبديد وتهميش كل هذا الإرث والميراث الروحي العظيم في سبيل محاكاة الآخر والسير على منواله، وبالتالي الاندماج الكلي في منظومته الثقافية المؤدلجة بلونها الموسيقي التجاري الذي يعتمد بشكل أساس على هذه التكنولوجيا في انتاج وتوزيع ونشر هذه الأعمال التي يفتقر أغلبها الى القيمة والجودة الفنية والابداعيةالمتوخاة.
-نعم هو صراع أبدي وسرمدي، مابين القيم والقيمة والجانب الروحي، ومابين الجانب المادي النفعي الذي أدى بهذا الفن الانساني النبيل، الى أن يُنتج بشكل آلي أقرب الى الميكانيكية، تعبيراً وانعكاساً عن روح العصر الاستهلاكي الذي نعيش فيه، مرغمين على تقبل هذه النتاجات الكئيبة في جنبات حياتنا، التي همّ صنّاعها إشباع الأذواق المبتذلة كما تقول المقولة الشهيرة “من يدفع للزمار يفرض اللحن الذي يريد” لأن الجانب الروحي مُغيب تماماً، مسايرة لايقاع العصر وموضاته الموسيقية التي لاتنتهي، لتفقد الموسيقى كل نقائها وجماليتها ودورها المؤثر والفاعل في الحياة.