افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
رَسمت المقاومة الوطنية اللبنانية في الأيام القليلة الماضية مُعادلة ردع جديدة، أقل ما يُقال فيها إنها تُقيِّد حركة العدو الصهيوني، وتُبقيه مَردوعاً إلا عن القيام بحماقة كُبرى يَحتاجها لكنّه يَخشى عواقبها، ذلك بعد أن رد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بإطلاق عدد من الصواريخ التي وَصَّفتها أوساط العدو الصهيوني بأنها أكثر دقة عن سابقاتها فكشفت بذلك عن أنّ المخاوف الإسرائيلية حقيقية من تطور قوة الحزب.
أقفلت حكومة الاحتلال الحَدث بمحاولة امتصاصه تحت مَزاعم ممارسة واشنطن الضغوط عليها لضبط النفس وكي لا تُسيء للمحادثات النووية مع طهران التي كانت المحور الأساسي في مُحادثات يائير لابيد وبيني غانيتس وزيرا الخارجية والحرب الإسرائيليين مع المسؤولين الأميركيين في إدارة جو بايدن، فما أُفق مُحادثات لابيد – غانيتس؟ وعن أيّ خطط بديلة يجري البحث في ظل الخيارات المُتاحة التي تُلامس العَدم؟ وفي ضوء التقديرات الإسرائيلية الخاطئة التي قادت الحكومة الصهيونية لابتلاع لسانها المُهدد؟.
غانيتس يَعترف – حسب وسائل إعلام العدو – بأنه لا بد من البحث عن إجابات لكل الأسئلة التي طَرحتَها تطورات الأسبوعين الماضيين “رد حزب الله، وفُرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني بعد تَسلم ابراهيم رئيسي الرئاسة في طهران”. فبينما يُقر غانيتس بالتقديرات الخاطئة وبوجوب إعادة النظر فيها، كان لابيد أكثر ارتباكاً في صَوغ أفكاره، ذلك أنه لم يُغادر خانة رفض احتمالات العودة الأميركية للاتفاق النووي لكنه يُعلن بأن لا خطط بديلة يراها أو يَمتلكها، ويَكاد يَقتله إحباط نتائج الحوار الذي يخوضه مع الغرب من خلف الكواليس حسب تعبيره.
وإذا كان مدير الاستخبارات الأميركية “سي آي إيه” قد تَحدث عن تبلور قرار بعدم ذهاب بلاده للحرب بسبب “النووي الإيراني”، فإنّ أقصى ما يَطمح له الإسرائيليون في هذه الأثناء ابتزاز الغرب وأميركا بممارسة أقصى الضغوط عليهما لوضع مُخطط مُلزم لهما بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية أكثر قَسوة على طهران تترافق مع تهديدات عسكرية أميركية جادّة تُجبر إيران على الانسحاب من برامجها النووية، وتَضع حداً لتهديدها استقرار المنطقة والعالم – حسب خطاب الصهاينة الاتهامي التصعيدي – إضافة لتحقيق هدف ما تُسميه إسرائيل وأميركا كبح نفوذ إيران ووقف تَمدده.
وسطَ هذه الحالة من الصراع الدائر، ومع مُحاولات تَسخينه بمُواصلة العبث الصهيو – أميركي في اليمن، والعراق، ولبنان، وبمُحاولة إحياء الدواعش وفصائل الإرهاب التكفيري في سورية، لا تقف واشنطن مَكتوفة الأيدي بل تَستجيب للوبي الصهيوني ولجنرالات الاحتلال الإسرائيلي لجهة توسيع دائرة التطبيع في ذكراها السنوية الأولى، وباتجاه تَصعيد حرب السفن وتَسعيرها بفَبركات جديدة، ولا تَنأى عن ذلك كله مُحاولة دفع الوضع على تخوم إيران وروسيا لانهيار يُخَطَطُ له بالاعتماد على تطورات أفغانستان الكارثية.
في قراءة مَجرى ما تَقدم، وبتحليل العناصر والتفاصيل التي يَنطوي عليها يَبدو واضحاً حجم الخطر الذي يُواجهه العالم بمُقابل وضوح حجم المأزق الذي تُواجهه واشنطن وتَحالفها الصهيو أطلسي، ذلك أنه عندما يدور النقاش حول جَدوى صناعة الخطط البديلة، وحين يَتركز البحث على محاولة ترميم ما تَحطم من مخططات ومشاريع، فإنّ ما هو أكثر وضوحاً يَتلخص بالنتيجة الماثلة التي تَكشف عن أنّ حجم الحُطام المُتراكم هو أكبر بكثير من أيّ محاولة تسعى لاحتواء التداعيات أو تَمنعها من التدحرج والتّعاظم. وبهذه الحالة يَصح السؤال عن نَفع مُراجعة التقديرات الخاطئة وعن محاولة صناعة حدث آخر يَحمل الإخفاقات المُتتالية ويَنقلها إلى منصات هجوم لا مُقومات لها؟!.
منذ لحظة تنفيذ مُخطط الموساد – السي آي إيه باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، مروراً بعدوان تموز 2006 مع كل ما أعقبه، كان واضحاً أن الولايات المتحدة تَضع كل ثقلها، وتُوظف جميع أدواتها وأذرعها، لاستكمال ما بَدأته مع احتلال العراق، غير أنّ مَحطتي انتصار المقاومة اللبنانية 2006، والصمود الأسطوري السوري، تَكفلتا بتقليص الخيارات الصهيو – أميركية، وبتحطيم مشاريع العدوان والاستهداف وفَضحها، وبتَصفير فُرص تحقيق أهدافها، وبوَضع الإدارة الصهيو – أطلسية أمام اختبار صعب: إما أن تَذهب للهروب باتجاه الحرب المَفتوحة التي تَخشى خَوضها، أو أن تتقبل الانكسار وتَنكفئ خضوعاً لمُعادلات القوّة التي تَرسمها دول وقوى الحق، التي تتعمق في سورية وعلى امتداد محور المقاومة الذي يَمتلك من عناصر القوّة والردع ما يَكفي لإلحاق الهزيمة بمحور الشر ومَشاريعه وخططه الجاهزة والبَديلة، ولإسقاط تَقديراته الواهمة.