الثورة أون لاين – هنادة الحصري:
لا شك أن تعدد الفضائيات الخاصة بالأطفال قد يكون مفيد جداً وممتعاً في كل المراحل العمرية التي يمر بها الطفل، ولكن أن يجلس الوالدان لمراقبة كل ما يبث عبر هذه الشاشات هو أمر صعب جداً وهذه أصلاً مهمة الجهات الرقابية التي من واجبها أن تطّلع على جميع المسلسلات الكرتونية قبل عرضها، ولكن للأسف الطابع التجاري بات هو الصفة الغالبة على أفلام الكرتون دون أن يكون للضمير الإنساني أي حيّز.
ما دعاني إلى هذه المقدمة ما شاهدته و أنا أقلِّب في جهاز التحكم لألتقط ما يعجبني منذ فترة من برامج لفت انتباهي مسلسل كوميدي للأطفال يطلق عليه اسم “غامبول” و الذي كانت تبثه فضائية “CN العربية “.
في المسلسل تجد غامبول وشقيقه داروين نموذجين للطفلين غير المنضبطين، لا يحترمان قوانين المنزل و لا قوانين المدرسة، بل لا يحترمان أبويهما أيضاً.
والأكثر من ذلك فالأب إنسان ضعيف الشخصية، لا يتصف بأبسط صفات الأبوة، أحمق إلى درجة تجعل المشاهد يشعر به وكأنه متخلف عقلياً، أما الأم فتبدو وكأنها مفرطة في القسوة، وبالمجمل فإن العائلة تبدو كأنها عائلة مجانين..
في الحلقة يشجع الوالد ابنيه على السرقة ويرسلهم للانتقام من جارهم، فدهنوا أرضية مطبخه بالزبدة، حيث سقط الجار على ظهره… الخ وفي آخر الحلقة يرمي غامبول و داروين والدهما وجارهما في قلب النفايات ليتصالح الاثنان في الحاوية..
وفي مسلسل آخر “يحيا انجلو” حيث يتمتع انجلو بذكاء يؤهله للنصب و الاحتيال و خداع الآخرين بل و يتفاخر بخداع أبيه و أمه و أصدقائه و جيرانه في سبيل تحقيق مآربه الخاصة، ففي إحدى الحلقات يخير انجلو شقيقته بأن عشيقها مغرم بها وأنه من الضروري أن تلتقي به في المنزل، ثم يتصل سراً بعشيق شقيقته ليخبره بأنها مغرمة به وأنه من الضروري أن يلتقي بها في منزل العائلة كل هذا وهدفه أن تنظف شقيقته المنزل استعداداً للقاء حبيبها ذلك لأن أمه كانت قد كلفته هو بتنظيف المنزل وبذلك يكون قد تملص من واجبه..
وفي مسلسل آخر “ستيفن البطل” نرى دروساً منهجية منظمة لصناعة طفل متمرد لا يحترم الآخر إضافة إلى سلوك مضطرب و روح انتقامية.
ترى هل كان أطفال الأمس كما هم اليوم؟ للأسف ذهبت أيام السندباد و غريندايزر و .. و.. الخ مع تطور التكنولوجيا و دخول الانترنت إلى كل منزل حيث تبدأ مشاهدة أفلام الكرتون المليئة بالعنف التي تؤثر بشكل سلبي على سلوكهم، فغالباً ما يقلدون أبطال المسلسلات الكرتونية و يتقاتلون بينهم على غرار القصص التي يتابعونها إضافة إلى أن هذه المسلسلات معبأة بالأفكار المسمومة و يبدو أن الهدف منها هو صناعة جيل مستهتر لا يعترف بالقيم و الأخلاق، فالطفل في مرحلة عمرية مبكرة يبدأ بمحيطه فيكتسب أموراً إيجابية أو سلبية، تساهم في تكوين شخصيته. صحيح أن المسلسل الياباني الشهير مغامرات الفضاء “غرايندايزر” كان يتضمن معارك بين قوى الخير و قوى الشر لا يخلق رغبة في العنف العبثي لدى الطفل بقدر ما يلقنه مبادئ حب الخير والسلام، أما اليوم فإن هناك أفلام كرتون تتركز حول مصارعة دامية لمجرد المنافسة بعيداً عن المبادئ والقيم”.
لا شك بأن الهدف هو التحكم و السخرية للمتعة، لكن لا يخفى على أحد أن المسلسل يحمل أفكاراً حساسة ومطروحة مثل الفقر والعنصرية والاكتئاب ومتعة الاستهلاك والرأسمالية. وكلها تعالج بطريقة تتوافق والفكر الغربي والسياسة المرسومة لاجتياح العالم وغزوه ثقافياً فأين هم الذين يخافون على مستقبل الطفولة؟.