في أكثر من مناسبة يؤكد أندريه مالرو (أحد كبار نقاد الفن في هذا العصر) بأن البعد السحري للفن يمثل الجانب الأبدي والروحي، وشمولية النفاذ من أسر الزمان والمكان.
وهذا ينسحب على فنون العصر الحجري المجسدة على جدران الكهوف، وما يبرز عليها من تأثيرات ومعالم آثارية (أريكولوجية) وهي تروي علاقة الإنسان البدائي بالأرض والحيوان والماء والنار، والتي شكلت الأساطير ببعدها السحري، نتيجة خوف الإنسان من المجهول.
ولقد تفاعلت الأسطورة الشعبية السحرية، بشكل دائم مع الصورة التشكيلية، على مر كل العصور والأزمنة، حتى أن مضمون الأسطورة بشكلها السحري، تجاوز حدود الزمان والمكان، وترك تأثيرات واضحة على ثقافة وحضارات البلدان القريبة والبعيدة، وخضعت لحالات التبدل وفق حساسية كل فنان، ورؤيته الخاصة، حتى باتت مثلها مثل بصمات أصابعه.
إلا أن المدلول السحري للفن كان يشهد تحولات وتبدلات وانقلابات، وخاصة حين حقق الفن الحديث مع بول سيزان خطوته الأولى نحو المادة الحقيقية، إن المسعى العظيم لسيزان، كان في أنه دفع التفاحة بعيداً عنه، ليدعها تحيا بنفسها، إن هذا العمل هو أول علامة حقيقية قام بها الإنسان منذ بضعة آلاف من السنين, لأن الإنسان لآلاف السنين كان مشغولاً بمسألة ذهنية لا تتغير، وهي إنكار وجود المادة، والبرهنة على أن المادة هي شكل من الروح فقط، فالأرواح التي كانت تسكن الأشكال، طردت منها على يد سيزان.
وهذا الإيمان الراسخ شجعه على العمل والرسم رغم تجاهل النقاد له, وسخرية الناس من لوحاته, وهكذا اتجه سيزان في لوحاته نحو إضفاء التأليف الهندسي على المشاهد والأشياء التي يرسمها، باحثاً من خلاله عن جوهر الأشياء، بدلاً من إكمال تجربته الانطباعية، التي لا تعترف إلا بتبدلات اللون والضوء وبما هو مرئي للعين, حيث كان يقوم بتحليل الأشكال الصامتة وعناصر الطبيعة والأشياء ضمن تأليف يتبع ايقاعات المكعبات والاسطوانات والدوائر، وبذلك مهد الطريق أمام بيكاسو وبراك لابتداع المدرسة التكعيبية في الفن، وبهذا إنهار الشكل الثابت للفن الذي كان مستمراً من عهد الإغريق، إلا أن البعد السحري للفن استمر بطرق مختلفة على الصعيدين التكويني والتلويني.
رؤيةـ أديب مخزوم