بالرغم من تزايد حركة إنتاج وعرض الأعمال الفنية، لايزال مجتمعنا بعيداً كل البعد عن ثقافة اقتناء اللوحة الفنية الحديثة، والغالبية إذا أرادت الاقتناء تفضل الأعمال الكلاسيكية والواقعية، وخاصة لوحات البورتريه المرسومة على الطلب، ومعظم هؤلاء لا يعرفون أبسط مبادىء اللغة الفنية الحديثة، ولايهمهم إذا كانت في اللوحة لمسات فنية وتحمل توقيع الفنان أو لا، وفي هذه الحالة يتحول الفن إلى سلعة رخيصة، وتصبح اللوحة في أيدي ناس لا يعيرون انتباهاً للفن والإبداع والثقافة.
وعلى خلاف ذلك هنالك فئة ولكنها قليلة جداً، تمتلك ثقافة فنية واسعة وحساسية بصرية وروحاً عالية، تجعلها قادرة على التمييز بين الفن الاستهلاكي التجاري الرخيص، وبين الفن الراقي والمتجدد والمرتبط بتحولات وثقافة فنون العصر.
وهذه الفئة هي التي تدعم التجارب الفنية الجادة، سواء على الصعيد المعنوي، أو على الصعيد المادي، وأصحاب المجموعات الفنية الراقية ينتمون لهذه الفئة. وهنا تبرز إشكالية في مدى القدرة على تحديد الأعمال الفنية التي تستحق الاقتناء أكثر من غيرها، لعدم وجود معايير ثابتة ومتفق عليها في الفن الحديث والمعاصر، لاسيما وأن ما كان في الأمس لافتاً أصبح بمعايير الفن المعاصر إبداعاً مطلوباً في الصالات، ومن هواة اقتناء الأعمال الفنية، حتى إن اقتناء هذه الأعمال قد يحقق بعد فترة قصيرة أو طويلة أرباحاً طائلة، إذا كانت اللوحة لاسم لامع في سماء الفن.
والإشكالية تأتي من وجود أسماء قوية جداً في الرسم الأكاديمي والواقعي، ولكن أصحابها أخفقوا في اللحاق بأول درجات السلم، الذي صعد عليه من يقدمون لوحات حديثة، تلعب دورها في بورصة الفن، رغم أن أصحابها يفتقرون لأدنى درجات الموهبة في الرسم الأكاديمي والواقعي. ولا شك بأن مغالاة الفنان في إهداء لوحاته قد يخفف ويحد من انتشار ثقافة اقتناء العمل الفني، ويؤثر سلباً على أعماله المطروحة للبيع، ويخفض من قيمتها المادية.
رؤية- أديب مخزوم