الثورة اون لاين – رياض طبرة:
حين فرغت من قراءة رواية الزميل والصديق محمد الحفري ( كواكب الجنة المفقودة) تشكلت لدي انطباعات من النص الروائي ومن خارجه , أي من الكاتب نفسه , وعلقت في الحلق غصة مع سؤال بطعم العلقم : كيف احتمل محمود نايف العبود كل هذه العذابات ؟ وهو ليس وحده فيما لاقاه , بل هو واحد من شريحة أو ربما من وطن .
وهل تمكن من الانتصار على أوجاع الروح وآلام الجسد وعلى هذا المنسوب العالي من البؤس؟ أم ظل يقارع اليأس والإحباط بالشكوى؟ كحال الكثيرين الكثيرين ممن حوله وحولنا .
تقترب الرواية من السيرة الذاتية وإن لم تكن كذلك فقد برع الكاتب في إيهامنا على أنها هكذا , ولاسيما أنه سرد ما سرد من أحداث بضمير المتكلم , وكان في كثير مما دوّن أميناً على الحدث وتتابعه موظفاً الترجيع على نحو جيد وربطه بالواقع الحالي الذي يعيشه , ثم عرف كيف يحيل الحدث إلى لوحة فنية بريشة صديقه العراقي ناظم .
وكذلك من خلال (ذرعان) وسهوة العطشان وشارع الطين الذي سمي باسم والده الشهيد نايف العبود شهيد معركة كفرنفاخ 1973.
على أي حال نحن أمام رواية مختلفة عن الكثير مما كتبه الحفري , وهذا يدفعني للقول بأنه كاتب مجدد لم يقف عند ماضيه الروائي ولا عند أسلوب بحد ذاته .
هل امتلك أداوته الفنية على نحو بارع ؟ هكذا رأيته ولدي سبب أراه وجيهاً, ذلك بأن الرواية من النوع الذي يمكن أن يوصف بالسهل الممتنع , فمن يقرأ كواكب الحفري يظن أنه قادر على كتابة مثلها بل ربما أفضل منها , لكنه لو حاول ذلك فلن يكون السير على خطاه بالسهل أو اليسير .
والرواية نص مفتوح على قلمين ذاتي و مجتمعي ومن هنا فإن سبر غور المجتمع وتحولاته ورسم شخوصه يحتاج الكثير من البراعة في العرض بعد امتلاك الخبرة والدراية في بناء هذه العمارة لتأتي على قدر طموح الروائي , وإلا جاءت كومة من حجارة لم يكن للمعماري أي دور يذكر.
لقد بدا الكاتب عفوياً غير متكلف حين رسم من شخوصه بدءاً من شخصية عليا التي صارت عيوش بعدما قهرها الزمن بالترمل وفقدانها لعمود بيتها لتحيا في ظلال ثالوث القهر والفقر والواجب.
وليس انتهاء بشخصية العم التي ظلت على حالها من التعسف والظلم والتبعية لمرعي جواد المحمود الرجل الذي عمل على قهر من حوله وخرب ذرعان .
صحيح أن الرواية تحمل الإدانة لواقع نعرفه ونعيشه ولكنها لم تخل من بعث الأمل بوجود رجال خيرين أبو كواكب على سبيل المثال وما قدمه لأسرة نايف العبود وحنوه عليهم وتفهمه لظروفهم ما يوحي أن الدنيا ما زالت بخير, وأن الحب والمحبة كفيلان بتخفيف معاناة الإنسان .
الميزة الواضحة عندي للرواية أنها لم تخترع بطلاً يقوم كالسوبر مان بفعل الخوارق لينقذ الراوي حاله وأبطاله , ولم تتنح منحى الكثيرين بمعاقبة القدر للظالمين , بل ظلت حريصة على نهايات مأساوية لشخوصها وحتى للأماكن التي عاد إليها محمود متأخرا عن الواجب ليجدها قاعا صفصفا وقد تمكن مرعي المحمود صاحب السطوة الاجتماعية والمالية من إحداث تغيير كلي طال القبور والدور وطال قبر الشهيد والشارع الذي سمي باسمه ليحرم خصمه محمود العبود حتى من تلك اللوحة .
أما بقاء الشخصيات كما هي عاجزة مسلوبة الإرادة فهو عن سابق تصور وفن لدى الروائي , لعله أراد تحميلنا جميعا مسؤولية ما حصل لها لعلنا ننتقل من التفرج على الحدث إلى محاولة تغييره ولو بكلمة وهذا أضعف الإيمان .
الرواية صدرت ضمن منشورات وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب في 166صفحة من القطع المتوسطة.