الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
كما أن هناك سرقات مادية ملموسة كأن يسرق أحدهم مالاً أو متجراً أو مصاغاً ، هناك أيضاً سرقات لامادية غير ملموسة باليد ولكنها محسوسة ويمكن اكتشافها ، فتجد من يسرق مشروعاً إبداعياً لمخرج وينسبه إلى نفسه وآخر يفبرك نصاً من نصوص قرأها ويكتب أسمه عليه بالخط العريض دون خجل وثالث يسرق أدواراً كانت لفنانين آخرين ويقوم بتأديتها ، وهناك أيضاً من يقوم بـ (سرقة الكاميرا) وتقع هذه السرقة بين الممثلين أنفسهم أثناء التصوير ، وبات يُطلق هذا المصطلح على محاولة فنان سرقة المشهد من زميله أمام الكاميرا ، فإن جمع مشهد بين عدة فنانين قد يحاول أحدهم سرقة الكاميرا منهم حتى وإن لم يكن لديه حوار يقوله ، وذلك من خلال إثارة الانتباه إليه واصطناع حركات وإن كانت بسيطة لجذب عين المشاهد نحوه في المشهد نفسه وبذلك يكون قد سرق الكاميرا من زملائه ، أو أن يغيّر اتجاهه فجأة ليكون في مواجهة الكاميرا دون الآخرين ، فيحرق جملة الممثل المشارك معه ويفقد المشهد مصداقيته لأنه لم يعد جماعياً بالمعنى الكامل للكلمة وإنما أصبح ممسوخاً بدافع الأنانية . وللأسف هناك عدد من فنانينا يتمتعون بميزة (سرقة الكاميرا) لا بل يتفاخرون بها ويخترعون لها أساليب جديدة من الصعب أن يدركها الفنانون الآخرون (المسروق منهم) وقد لا تثير انتباه المخرج حين التصوير وتمر دون أن يلتفت إليها عن قصد أو عن دون قصد ، في حين كثيراً ما أعاد مخرجون تصوير اللقطة أكثر من مرة تفادياً لهذا المطب وسعياً لضبط الأمر .
الفرق كبير بين إحساس الممثلين بالكاميرا وتقنية تعاملهم معها بالأسلوب المناسب للحظة الدرامية وبين أن يقوموا بسرقة الكاميرا ، فقد يقع بعضهم فريسة سهلة لإغواء عدستها وإغراءات الشاشة الصغيرة ويسعون ما استطاعوا لذلك سبيلاً ، وعادة يرسم المخرج (القائد الفعلي للعمل) حدود العلاقة بين الممثل والكاميرا ، فيضع الكاميرا بالمكان المناسب الذي يساعد الفنان على التواصل والتفاعل معها بالشكل الأمثل ، ولكن يحدث أن يكون بطل مشهد معين شخصية كومبارس وليس النجم ، وفي هذه الحالة من المهم أن يدرك الجميع هذا الأمر ويتعاملون على أساسه وأي خلل في هذه العلاقة سينعكس سلباً على مفهوم المشهد نفسه وعلى المستوى الجمالي للقطة ككل .
والسؤال الذي يطرح نفسه كم هو البون شاسع بين فنانين جديّين في تعاطيهم من عملهم وأدوارهم وبين من يحاولون التسلّق على أكتاف الآخرين ويظنون أن ما يقومون به يندرج تحت مسمى (الشطارة) ؟ هذه اللعبة أهي مكشوفة سهلة أم لها قواعدها أم تراها أمراً مشروعاً يعتمد على حنكة وموهبة من نوع خاص ؟ وهل استعاض البعض (على قلتهم) عن مهارتهم بالتمثيل وعن قوة حضورهم بالأداء نحو طرق أخرى كي يفرضوا أنفسهم ؟ ألا يعتبر ذلك انتقاصاً من قيمة الفنان فيسيء لنفسه أولاً ولغيره ثانياً ؟ أين المخرج المتابع الذي يوقف هؤلاء عند حدودهم ؟!.. مما لا شك فيه أن سرقة الكاميرا من العادات الطفيلية التي تحمل في مضمونها ما يسيء إلى أخلاقيات المهنة واستطاعت التسلل إلى جسد العمل الدرامي التلفزيوني بشكل أو بآخر ، في مهنة غض البعض الطرف عن ضوابطها الأخلاقية والإبداعية التي تنظم العمل فيها فبات يدخلها كل من هب ودب ، ولكن لا بد أن تكون الكلمة الفصل في النهاية لهذه الضوابط لأنها تشكل الناظم للعلاقات والبوصلة لآليات العمل والتعامل ضمن المهنة .