قالوا قديماً: “الجار قبل الدار” و”الله موصي بسابع جار”، هي عبارات
حفظناها ورددناها عن ظهر قلب وعملنا بها في حفظ الجيرة وحسن الجوار،
هذا المنطق ينطبق في السياسة أيضاً، فإذا ما عدنا بالذاكرة إلى قرون من
الزمن وجدنا أن سورية تطبق هذا المفهوم بأوسع معانيه.
فقبل قرن من الزمن كان العثمانيون يحرقون ويذبحون الأرمن ويطاردونهم في
الصحارى، وما كان من ملجأ لهم سوى أبواب دمشق التي فتحت ذراعيها شمالاً
واحتضنت من وصل ملهوفاً مذعوراً بين أبنائها وصار مواطناً له من حقوق
السوريين ما لهم.
وفي عام 1948 ومع نكبة شعبنا الفلسطيني على يد المحتل الصهيوني فتحت
سورية ذراعيها، واستقبلت دمشق الأشقاء عبر أبوابها السبعة ولم يكن بينهم
وبين السوريين فرق في الحقوق والواجبات إلى حين العودة إلى فلسطين طال
الزمان أم قصر.
تكررت مأساة الجيران الأشقاء مع العدوان الإسرائيلي عام 2006 على لبنان
ومع الاحتلال الأميركي للعراق 2003، وكانت أبواب دمشق السبعة تُفتح على
مصراعيها لنجدة الجيران ومد يد العون.. فكانت سورية الجار والشقيق
القريب وليس كما يقول المثل: “جارك القريب ولا أخوك البعيد”.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية وسورية تتعرض لحرب إرهابية اشترك فيها
العدو البعيد وبعض الجيران والأشقاء، ولا تزال جراح سورية تنزف من جراء
الحرب سواء بالسلاح أو بالاقتصاد وما زال بعض الجيران يولجون الخناجر في
الجسد السوري متنكرين لكل مفاهيم حسن الجوار، لكن دمشق تثبت في كل مرة
أنها الجار والشقيق القريب.
فلبنان الذي يتعرض لأزمة اقتصادية افتعلتها بعض الدول الغربية لضرب
الخاصرة السورية، تفاقمت مشاكله وكادت تنفجر وافتقر للكهرباء والنفط
والغاز، جاء مستجيراً بسورية التي حوصرت ومُنعت عنها حوامل الطاقة
بالاحتلال والحصار، فمدت يدها ورحبت وفتحت أبوابها السبعة للجار الشقيق.
الغاز المصري سيصل لبنان عبر شرايين سورية وكذلك الكهرباء الأردني، ولن
تقف الحواجز والظروف والأزمات العابرة التي اصطنعها بعض الطارئين على
الدول وعلى الشعوب، المستوزرين عند البيت الأبيض والشانزليزيه، فلبنان
الجار والشقيق أكبر منهم وهو الأبقى لسورية وبسورية.
فدمشق التي أمدت لبنان بالأوكسجين بقرار من الرئيس الأسد، هي دمشق
التي تستقبل اليوم رجالات لبنان المؤمنين بالعلاقة الأبدية بين الأشقاء،
وهي دمشق التي احتضنت المقاومة وحمتها، وأبوابها السبعة ستبقى مفتوحة
للخير والحب.. وموصدة في وجه كل معتدٍ وغادر وكل حالم أن يطأ ترابها خسةً
وغدراً.
إضاءات -عبد الرحيم أحمد