أنا اخترتها.. لا هي

لو أنه لم يصنع إلا (كفر قاسم) لكفاه هذا إنجاز حياة..

هكذا أجبت زميلة صحفية حين سألتني عن رحيل المخرج العربي برهان علوية، وحين أقول عربي فليس لتغييب جنسيته اللبنانية، وإنما لوضعه في الفضاء الحقيقي الأكثر رحابة لانتمائه. ففيلمه الأشهر (كفر قاسم) الذي اعتُبر واحداً من أفضل مائة فيلم عربي حسب لائحة مهرجان دبي السينمائي، يتحدث عن فلسطين، وقد أنتج في سورية عام 1975، كما أن وصفه بالعربي يلتقي مع رؤية علوية لنفسه كما قال في لقاء صحفي قبل عشر سنوات: « العروبة وعبد الناصر صنعا وعينا، وفلسطين هي التي أدخلتني إلى السينما. كان يمكن أن أدرس شيئاً آخر».

إثر شيوع خبر رحيل برهان علوية تحدث أكثر من موقع إعلامي عن (الفيلم الوثائقي كفر قاسم)!! رغم الفارق الشاسع بين العمل الذي يسجل بدقة بحثية كلّ التفاصيل المتعلقة بحدث ما، أو موضوع ما، وهو ما يوصف بالوثائقي. وبين العمل الفني الذي يقدم لموضوع من خلال رؤية صانعيه التي قد تسلط الضوء على جانب أو جوانب فيه، أو تضعه في إطار حدث أشمل. وهو ما فعله برهان علوية في (كفر قاسم). لقد قاد هذا الالتباس منشأ صحفي قبل ست سنوات لينشر في وسيلة إعلامية (عربية) حريصة على تشويه الثقافة العربية وتسفيه منجزها، ما توهم أنه مقالة نقدية تلتقط الأخطاء التوثيقية في فيلم (كفر قاسم) باعتباره فيلماً وثائقياً (؟)، فاكتشف مبهوراً أن الفيلم لم يشر إلى أن العرس في كفر قاسم يعتبر ناقصاً إن غاب الفستق المملح!.. وأن الفلافل تحضر يومياً على المائدة الرمضانية!! ..طبعاً لن أتوقف عند كلّ الملاحظات السخيفة التي تضمنتها (المقالة النقدية) فالمقام أجلُ من ذلك. لكني أردت الإشارة إلى ما يلحقه الفهم القاصر، والقوالب الحمقاء، والرؤية الضحلة من ضرر بالعمل الإبداعي، وبالمتلقي بـآن معاً.

(كفر قاسم) الذي كتب قصته وحواره عاصم الجندي (1933 – 2001)، وتشارك مع برهان علوية في كتابة السيناريو. ينطلق من المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني بحقّ أبناء القرية العُزّل، لا ليوثق الجريمة فحسب، وإنما ليعرض الوضع الحياتي لأبناء القرية تحت الاحتلال، واضطرارهم للعمل أجراء في المزارع والمعامل المقامة على أرضهم التي اغتصبها المستوطنون، متعرضين لأقسى أنواع الاستغلال من شبكة من السماسرة والإدارات المحلية ووسطاء العدو المحتل. في واقع هو أشبه بحال الحصار بحكم عزلة القرية عن محيط عربي لوجودها بين التجمعات السكنية الصهيونية، والحدود الأردنية. بحيث يقتصر تواصلهم مع العالم الخارجي على جهاز المذياع في المقهى. الذي استخدمه الفيلم لا لبيان هذا التواصل فحسب، وإنما لكي لا يعزل الجريمة القادمة عن الجريمة الأساس المتمثلة بغرس الكيان الصهيوني في منطقتنا ليحول دون تطورها وتجميع طاقاتها. وهو ما حكي عنه الفيلم بشكل غير مباشر. منذ مشهد استماع أبناء القرية لخطاب جمال عبد الناصر الذي أعلن فيه تأميم قناة السويس.

كانت جريمة كفر قاسم ضمن مخطط قديم للعدو الصهيوني سمي (مخطط خلد) وكان أساسه إخلاء عام لفلسطينيي ما يعرف باسم المثلث العربي (ومن ضمنه قرية كفر قاسم) في حالة قيام حرب مع الأردن. وكان العدوان على مصر الفرصة الذهبية كي لا يبقى مجرد مخطط. قتلَتْ القوات الاسرائيلية 49 من سكان كفر قاسم من الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأطفال المسالمين العائدين من الحقول والمزارع والمصانع، في مساء اليوم الذي بدأ فيه العدوان على مصر. قتلهم حرس الحدود بدم بارد وبطريقة وحشية قدّمها الفيلم بدرجة عالية من المصداقية والإتقان اللذين تركا تأثيراً لا يمحى عند المشاهد.

في السجل الإبداعي لبرهان علوية اثنا عشر فيلماً تترجم مواقفه الإنسانية والفكرية والسياسية. كما تفسر قوله: «أنا صنعت أفلاما اخترتها، لا هي التي اختارتني. أنجزت أفلاماً أحببتها، ولدي قناعة بأهميتها كموضوع وفن وخيال. أنا مخرج هذه الأفلام، ولست مخرجاً بالمطلق».

إضاءات- سعد القاسم

 

آخر الأخبار
بازار الشتاء.. منصة تمكين اقتصادي واجتماعي للمرأة السورية عندما يختفي اللقب الوظيفي.. رحلة البحث عن الهوية بعد التقاعد رياضة المتقاعدين في حلب.. صداقات وشفاء من الوحدة والاكتئاب بين " قيصر" والعملة الجديدة.. خطوة سياسية أولاً.. وفرصة اقتصادية ثانياً اكتمال مشهد الدور الثاني من مونديال الناشئين الجمعة.. البطولة الكروية حلب (ست الكل) الصمت العنوان الأبرز لنادي الكرامة ؟! حطين يُكثف استعداداته للدوري ألكاراز يواصل تألقه وموسيتي يُشعل المدرجات دمج الأطفال بأنشطة حسية ولغوية مشتركة تعزز ثقتهم بأنفسهم     إغلاق مصفاة حمص وتحويل الموقع لمستشفيات ومدارس        لبنان في مرمى العزلة الكاملة.. "حزب الله" يسعى وراء مغامرة وسوريا ستتأثر بالأزمة    وزير الطاقة: تخفيض أسعار المشتقات النفطية لتخفيف الأعباء وتوازن الاستهلاك     الرئيس الشرع: الإدارة الأميركية تتفق مع هذه الرؤية   "مجلس الشيوخ" الأميركي يقرّ اتفاقاً لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد  درعا تعيد صوت الجرس إلى ثلاث مدارس   أميركا تخطط لبناء قاعدة عسكرية ضخمة قرب غزة بقيمة 500 مليون دولار  وسط صمت دولي.. إسرائيل تواصل انتهاكاتها داخل الأراضي السورية بهذه الطريقة  تعاون مرتقب بين "صناعة دمشق" ومنظمة المعونة الفنلندية  "التربية والتعليم" تعزز حضورها الميداني باجتماع موسع في إدلب