دائما تسلك الجهات المعنية طريق الإكراه للحفاظ على واقع معين دون الاكتراث للنتائج السلبية لهذه الطرق، واليوم تحصد مؤسساتنا العامة النتائج المؤلمة لطرق المعالجة بالإكراه، فالخزان البشري الغني بالخبرات والكفاءات لكثير من جهات القطاع العام بدأ بالنفاد خلال الفترة الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي وممارسة بعض الجهات العامة الضغط على كوادرها في وقت تعجز هذه الجهات عن تقديم أبسط الحقوق لهذه الكوادر.
الكفاءات والخبرات السورية كانت حاضرة بقوة خلال سنوات الحرب والحصار، وابتكرت حلولاً لكثير من المشاكل، وصممت بدائل للقطع التي تم منع تصديرها إلى سورية، وبفضل هذه الكفاءات استمرت أغلب القطاعات في تأدية دورها والقيام بمهامها ولاسيما تأمين احتياجات المواطن، ولكن هذه الكفاءات بدأت تتسرب اليوم بكثرة إلى جهات القطاع الخاص وإلى خارج البلد متنازلة عن كل الحقوق التي أعطاها القانون متجاهلة كل التحذيرات بالملاحقة.
لم يكن الوضع الاقتصادي والحصار والعقوبات الدافع لتسرب الكفاءات والخبرات بدليل أنها صمدت لسنوات طويلة، ولم تتخلَّ عن دورها، وإنما السبب يعود إلى تطبيق قوانين السلم والرخاء في زمن الحرب والعقوبات والحصار، ووصل الأمر بالجهات الرقابية والمعنية إلى عدم الاعتراف بكل الظروف والمتغيرات التي حصلت خلال عشر سنوات، وما ترتب عليها من آثار، بل على العكس هناك من استثمر الظروف لإقصاء الكفاءات والخبرات، والانتقام منها إلى أن وصلنا اليوم إلى حالة العوز الحقيقي في كثير من المؤسسات.
الحفاظ على الكفاءات والخبرات لا يكون بالتشدد وتجاوز الأصول القانونية في المحاسبة والترقية والنقل والإقالة، وإنما يكون بالتحفيز والترغيب والترقية وشحذ النفوس، ولا بد اليوم من العمل لإعادة التأهيل والتدريب النوعي في كافة الجهات العامة ولا سيما في القطاعات الحساسة مثل الطاقة والصناعة والبحوث ولا بد من تخصيص الميزانيات الكبيرة لهذا الأمر مع مزيد من الحوافز والتشجيع والحماية من الأساليب الملتوية في التعاطي مع هذه الكفاءات في تحميل المسؤوليات والترقيات والتسمية والتعويضات.
يجب أن نحافظ على ما تبقى لدينا من خبرات وكفاءات ومستثمرين، والحفاظ يكون بالحوافز والإجراءات التي نصت عليها القوانين، فواقعنا يتعثر على عيون الجميع والشمس لا يمكن تغطيتها بغربال.
على الملأ- بقلم مدير التحرير-معد عيسى