الثورة أون لاين – مها الداهوك:
بعد عشرين عاماً من الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب، كان المدنيون هم الضحايا الأوائل لتلك الحرب، حيث قتلت الولايات المتحدة مئات آلاف المدنيين، وشردت الملايين منهم بعد أن دمرت بيوتهم ومدنهم وقراهم، كما حدث في العراق وأفغانستان، وإذ فشلت واشنطن بتحقيق أهدافها الاستراتيجية من وراء غزوها للدول والشعوب تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، فإن شركات السلاح الأميركية هي الرابح الوحيد من حروب أميركا الخارجية، حيث بنت إمبراطورياتها المالية على حساب دماء الشعوب التي وقعت ضحية الحروب الهمجية للولايات المتحدة.
على مدى السنوات الأخيرة، شكلت الحروب الأميركية في المنطقة مكسباً مادياً كبيراً لشركات السلاح الأميركية وفق العديد من التقارير، فكانت تلك الشركات تسابق الزمن لتلبية الطلب المتزايد على الصواريخ الدقيقة وغيرها من الأسلحة المستخدَمة في العمليات العسكرية، التي كانت تنفّذها واشنطن في الشرق الأوسط، حيث حققت تلك الشركات مدى الأعوام العشرين الماضية، إيرادات ضخمة بلغت 7.35 تريليونات دولار، وفقاً لقاعدة بيانات “Defense News”، واللافت أنّ الأغلبية العظمى من تلك الأرباح جاءت من وزارة الحرب الأميركية (“البنتاغون”)، فالميزانية الدفاعية للولايات المتحدة تذهب في معظمها إلى خزائن المجمع العسكري، وإلى شركات، مثل (لوكهيد مارتن، وبوينغ، ورايثيون، وجنرال دايناميكس)، بحيث يذهب نحو نصف ميزانية “البنتاغون” إلى متعاقدين من القطاع الخاص، وفق ما نشرته مجلة “فوربس”.
ووفق تقرير صادر عن “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، نجحت الشركات الأميركية، في السنوات الأخيرة، في الهيمنة على سوق السلاح حول العالم، بحيث بلغت قيمة مبيعات أكبر 100 شركة لتصنيع الأسلحة في العالم 420 مليار دولار عام 2019، معظمها في السوق الأميركية، وبلغت حصة المصنِّعين الأميركيين 59 في المئة من السوق، أي 246 مليار دولار من المبيعات.
ووفق التقرير تحتلّ شركات أميركية المراكز الخمسة الأولى في العالم لناحية مبيعات السلاح، بحيث حققت شركة “بوينغ” الأميركية مبيعات عسكرية بقيمة 1،222،311 مليار دولار من عام 2005 حتى عام 2020، في حين نجحت “رايثون “في تحقيق 847،867 مليار دولار، أمّا أرقام مبيعات “لوكهيد مارتن” فبلغت 745،348 مليار دولار، وهي فترة الذروة في الحروب الأميركية.
ووفق تقرير آخر أعدته البروفيسورة ليندا ج بيلمز، رئيسة مركز دانيال باتريك موينيهان للسياسة العامة والمالية العامة بجامعة هارفارد، مساعدة وزير التجارة الأميركي السابقة، تبين أنه “في العراق وأفغانستان اعتمد الجيش الأميركي بدرجة غير مسبوقة على متعاقدين من القطاع الخاص للدعم في جميع مناطق العمليات الحربية تقريبا، حيث عمل المقاولون على تزويد الجيش الأميركي و الأفغاني بالشاحنات والطائرات والوقود والمروحيات والسفن والطائرات بدون طيار والأسلحة والذخائر بالإضافة إلى خدمات الدعم من تقديم الطعام والبناء إلى تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجستية، وقد فاق عدد المتعاقدين على الأرض عدد القوات الأميركية في معظم سنوات الحروب، إذ أنه بحلول صيف عام 2020، كان لدى الولايات المتحدة 22562 متعاقداً في أفغانستان – أي ما يقرب من ضعف عدد القوات الأميركية”.
كما كشف التقرير الذي نشرته صحيفة “ذا غارديان” أنه حتى على سبيل “تمويل مخصصات بند “الحساء” المقدم للقوات هناك، كان يحسب على ميزانية صناعة الدفاع بالطريقة نفسها التي تم بها وضع ميزانية الحروب ودفع ثمنها”.
وأشار التقرير إلى أن “إرث هذا الإنفاق الدفاعي لما بعد 11 أيلول، سيستمر في التهام ميزانية الولايات المتحدة لسنوات قادمة” كنتيجة حتمية لاستخدام الكونغرس للتمويل “الطارئ”، والذي تحايل على عملية الموازنة العادية، إذ أنه خلال العقد الأول من الحرب استخدمت الولايات المتحدة مخصصات الطوارئ، والتي عادة ما تكون مخصصة للأزمات لمرة واحدة مثل الفيضانات والأعاصير والتي حولت مدخراتها للمصروف الحربي المتنامي في أفغانستان والعراق.
ورغم أن هذه التكاليف المادية الباهظة لحروب أميركا الخارجية كانت وضعت الاقتصاد الأميركي في أزمات عصيبة وبشكل خاص دافعي الضرائب من الشعب الأميركي الذين وقع على عاتقهم دفع فاتورة حروب بلادهم في الخارج، إلا أن المستفيد الأول من كل هذه النفقات شركات السلاح الأميركية التي حولت أفغانستان والعراق إلى سوق كبرى لمنتجاتهم الحربية و اللوجيستية من معدات عسكرية وطائرات وسلاح وصولاً إلى برامج التجسس وشبكات الاتصالات، حيث أشار التقرير إلى أن هذه الحروب قد كانت مربحة للغاية لجميع مقاولي الدفاع الرئيسيين.
ففي حزيران 2020، استحوذت الشركات الخمس الكبرى (لوكهيد مارتن، وبوينغ، وجنرال دايناميكس، ورايثيون، ونورثروب غرومان) على ما يقرب من ثلث مبلغ 480 مليار دولار الذي التزم به البنتاغون لمقاولي الدفاع، في حين أن جزءاً بسيطاً فقط من هذه المبيعات كان مخصصاً للعراق وأفغانستان، وأن “شركة لوكهيد مارتن قامت بتصنيع مروحيات بلاك هوك المستخدمة على نطاق واسع في أفغانستان، وباعت شركة بوينغ الطائرات والمركبات القتالية البرية، وفازت شركة رايثيون بالعقد الرئيسي لتدريب القوات الجوية الأفغانية، وشركتا نورثروب غرومان وجنرال دايناميكس زودتا المعدات الإلكترونية ومعدات الاتصالات، إذ كسب الآلاف من المقاولين حول العالم أموالاً من بيع نظارات الرؤية الليلية والمحركات وأكياس الرمل ومعدات الاتصالات وجميع أنواع الأشياء في المجهود الحربي”.
كما لا ننسى شركات النفط العالمية والتي كانت من أكثر المستفيدين الرئيسيين من الحرب، لأن البنتاغون هو أكبر مشترٍ للوقود في العالم.
ولم تكن شركات السلاح والصناعات العسكرية المستفيد الوحيد من الحروب الأميركية، بل نجحت أيضاً شركات تكنولوجيا المعلومات في تحقيق المليارات من خلال عقود أبرمتها مع الجيش الأميركي، ووكالات حكومية أخرى، حيث شهدت شركات التكنولوجيا الكبرى ارتفاعاً ضخماً في الطلب الفيدرالي على خدماتها، وخصوصاً من وزارة الحرب الأميركية (“البنتاغون”) ووزارة الأمن الداخلي”، حيث أبرمت الحكومات الأميركية عدداً هائلاً من العقود مع شركات “أمازون” و”فيسبوك” و”غوغل” و “مايكروسوفت” و “تويتر”، منذ عام 2004 وكله لصالح حروبها على الإرهاب بحسب زعمها.
والنتيجة النهائية والحتمية لمشاركة شركات القطاع الخاص والمقاولين والمتعاقدين في حروب كل من العراق وأفغانستان كانت زيادة تكلفة العمليات الحربية مادياً، حيث أنه “تم إنفاق الكثير من أموال إعادة الإعمار البالغة 145 مليار دولار على مشاريع مشكوك فيها بميزانيات مفرطة تصب في النهاية في صالح تلك الشركات والتي يرتبط أصحابها مع السياسيين الأميركيين الذين شرّعوا تلك الحروب وروّجوها لتصب في صالحهم في النهاية ولو كانت على حساب دماء الأبرياء وأمن الشعوب.
وفي الخلاصة فإن حروب هذا العصر تحولت من صراعات سياسية وعسكرية إلى أسواق تجارية مكشوفة ينظمها رجال الأعمال والشركات الأميركية العالمية بهدف الربح المادي بعيداً عن كل الأخلاق الإنسانية.