الملحق الثقافي:غسان كامل ونوس *
ليتني أجمّع الوقت الضائع على المفارقِ والمواقف المألوفة والعارضة!
ليتني أقدرُ على تعويضِ الوقتِ المهدور في المحطّات المعهودة والطارئة!
أمّا الوقت الذي قاسيته على الدروبِ الوعرة، والطرق المعبّدة، فلا أدري إن كان ضائعاً أو لازماً؛ والوقت الذي أمضيته- وما زلت- في طلب الحاجات التي لا تنتهي؛ هل كان قدراً أو فريضة؟!
وماذا عن الوقت، الذي شاكسته في انتظار من ظننت أنّها ستأتي، وتأخّرت كثيراً- هل أتت؟!!..
والوقت الذي ماطلتهُ في تنفيذِ الطلبات والأوامر ممّن هو مخوّل لذلك، أو غير مخوّل؟! – هل هناك فرق؟! وهل يمكن التفريق؟!- .
وماذا حول الوقت، الذي نفدَ في جدالٍ عقيمٍ وكلام عاقر؟!
والوقت الذي أهرقته في الحزن على غيابِ من لا يستحقّ؟!- تُرى.. من الذي يستحقّ؟!- .
والوقت الذي ماتعتهُ في استعادة ملمحٍ معبّر، أو نظرة مشعّة، أو إشارة أو حركة موحية؟! هل يجدي؟!.
والوقت الذي استغرقته في التفكيرِ في قضيّةٍ أو عبارةٍ أو حادثة؟!
والوقت الذي استغرقني في التأمّل والشرود؟! إلامَ اهتديت؟!
والوقت الذي صرفتُه في حوارٍ جادّ ونقاش مجدٍّ؟! ما نسبتهُ؟!
والوقت الذي نادمتهُ في سهرٍ مديد؟!
والوقت الذي راودتهُ في محاولة الراحة أو النوم؟!
والوقت الذي حُسب عليّ ظلماً آناء النوم وفي أثناء القيلولة؟!
والوقت الذي سايرتهُ في متابعة راوٍ؟!
والوقت الذي استهلكتهُ في الطعام الضروريّ والشراب اللازم؟!
والوقت الذي أقلقته في التساؤل والسؤال؟!
والوقت الذي لاطفته في بوحٍ لم يسمعه أحد؟!
والوقت الذي نازفتهُ في مرافقة الألم والمرارة؟!
والوقت الذي قاومته في محاولة الخروج إلى النفس؟!
والوقت الذي فاوضته في العبور الآمن؟!
والوقت الذي أودّ أن يمهلني إلى- وفي- الخلاص المنشود؟!
والوقت الذي هاجسته بما يحيّرني؟!
والوقت الذي استمزجته في الجدوى؟!
والوقت الذي صارحتهُ بانقباضي ونفوري؟!
والوقت الذي أقضّني حين ضاق عليّ؟!
والوقت الذي أضجرته، حين فاضَ عليّ؟!
والوقت الذي أسكرني من نشوة الارتجاع؟!
والوقت الذي يدفعني إلى التفكير بما تبقّى؟!
والوقت الذي أغريته بالانطفاء؟!
والوقت الذي أغويته بالانصياع؟!
والوقت الوقت..
الوقت الذي خاصمته في ساعةِ قنوطٍ؛ كم تعدّدت!
والوقت الذي صافيته في مناسبةِ انشراح؛ ما أقلّها!
والوقت الذي احتضنته حين غبطة؛ ليتها!
والوقت الذي استحلفته، أن يغضّ بصره عنّا؛ ليته!
والوقت الذي ناصبته العداء، فحاصرني؛
والوقت الذي فاوضته، فاستغلّني؛
والوقت الذي لاعبته، فغدرني؛
والوقت الذي استضفته، فتملّكني؛
والوقت الذي واجهته، فرماني؛
والوقت الذي غافلته، فسخر منّي؛
والوقت الذي قبضت عليه، فتسرّب من بين أناملي؛
والوقت الذي سابقته، فسبقني؛
والوقت الذي قافزته، فأعثرني؛
والوقت الذي أطلقته، فطلّقني؛
والوقت الذي أنتظر، ولا أنتظر؛
والوقت الذي قد يفنيني في انتظار “غودو”؛
الوقت الوقت..
فالوقت قرين، وندّ، وحبيب، وغريم!
الوقت ظلّ، ولصيق، وعدوّ، وصديق!
والوقت مقبلٌ، ومدبِر، نازل، وصاعد!
والوقت مدبّر، ومقامر، وفيّ، وناكر!
والوقت مقيم، ومهاجر، وعابر سبيل، ومغامر!
والوقت مطيع، ومتمرّد، مسفر، ومتنكّر!
الوقت منطلِق، وكظيم، رحيم، وقارس!
الوقت غامض، وجليّ!
الوقت منّي، وإليّ، وعليّ!
والوقت منزرعٌ في مساماتي، ومنبتّ عن أحاسيسي؛
والوقت قبلي، ومعي، وبعدي!
والوقت دافئ، وبارد، وعليل، وقارس!
والوقت قزم، وعملاق، ونافر، ومشتاق!
والوقت لوّام، وشاكر، برم، ورضيّ!
والوقت مهمل، وملحّ، ومبطئ، ومحموم!
والوقت مشرقٌ، ومتجهّم، مشعّ، وقاتم!
والوقت شاهد، ومحكوم، وحاكم، ومظلوم، وظالم!
والوقت حدّ، ومِسَنّ، جارح، ومبلسِم!
والوقت ضلال، وهداية، حاجة، وكفاية، علّة، وغاية!
والوقت ولود، وعاقر، عابر سبيل، ومغامر!
والوقت دمث، وشقيّ، هنيّ، وعنيد، يسيرٌ، وعصيّ!
والوقت صافِ، وعكر، مسامح، ومنتقم !
والوقت خفيف، وثقيل، ومُساند، وضاغط!
والوقت مسلّ، ومملّ، أنيس، ومقيت، نديم، ومنكّد!!
والوقت هادئ، وضاجّ، صامت، وصائت!
والوقت لطيف، وجلف، وأليف، وغريب، وقريب، وبعيد!
والوقت لأنّه، ولولاه!
والوقت ليت، وهيهاتَ!
والوقت سيّان، وشتّان!
والوقت ربّما، وياما، وكأنّ، ولعلّ!
والوقت ممكن، ومستحيل!
والوقت.. الوقت…
ما الوقت؟! وأين؟! وكيف؟! ولِمَ؟! وعلامَ؟! ومتى؟!
والوقت آه، وآه، وآه!
*شاعرٌ وأديب وقاص
التاريخ: الثلاثاء14-9-2021
رقم العدد :1063