تبدو الولايات المتحدة بحالة تخبط سياسي، حيث ارتدادات الهزيمة في أفغانستان أفقدها القدرة على التوازن عند التفكير باتخاذ قرارات انسحاب مشابهة، هي تائهة بين فكرة إنهاء “عملياتها العسكرية الكبرى” التي اعتبرها بايدن بأنها باتت ضرورية، و انعكاسات أزمة المصداقية التي تواجهها لجهة التزاماتها مع حلفائها وشركائها وأدواتها من جهة ثانية، ولكن عليها في نهاية المطاف اتخاذ القرار المناسب لتقليل حجم الخسائر التي تمنى بها نتيجة فشل مخططاتها، وبفعل هزائمها العسكرية والسياسية والأخلاقية في أكثر من مكان في العالم.
بايدن اعترف بأن الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب، لم تقض على تنظيم القاعدة، وبأن هذا التنظيم انتشر بأماكن أخرى، وفي معرض دفاعه عن قرار الانسحاب المذل من أفغانستان طرح سؤالاً على منتقديه: “هل سنغزو كل مكان يتواجد فيه تنظيم القاعدة ؟”، وكان عليه أن يتحلى بالجرأة أكثر، ليكون السؤال هو:” هل علينا إنتاج المزيد من التنظيمات الإرهابية ونتخذها ذريعة لغزو مناطق أخرى في هذا العالم؟”, وبغض النظر عن ماهية السؤال المطروح، فإن الإدارة الأميركية باتت تعي تماماً مدى المخاطر التي تواجه قواتها الغازية والمحتلة في أكثر من مكان، ولاسيما في منطقتنا، وهي لا شك تأخذ على محمل الجد مسألة إصرار دول محور المقاومة على طرد القوات الأميركية مهما كلف الثمن.
أميركا ما زالت تعبث بأمن واستقرار المنطقة، وما زالت تتخذ من مكافحة الإرهاب شماعة لمواصلة اعتداءاتها واحتلالها أجزاء من الأراضي السورية، فـ”داعش والنصرة” أنشأتهما الاستخبارات الأميركية من رحم “القاعدة”، ويكفي أن ترفع واشنطن عنهما غطاء الحماية حتي يتكفل الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان بالقضاء عليهما واجتثاثهما من الجذور، وكذلك لا مبرر لاستمرار وجودها الاحتلالي في العراق طالما أن الجيش العراقي وقواته الحليفة يطاردان فلول “داعش” وخلاياه النائمة، فمتى تتحلى إدارة بايدن بالجرأة والحكمة السياسية وتعجل بخروج قواتها المحتلة من هذين البلدين، قبل أن تتعاظم خسائرها بفعل المقاومة الشعبية المتصاعدة ضدها، وعندها لن يضطر بايدن ليسأل: “هل علينا أن نغزو كل بلد أوجدنا فيه “داعش والنصرة”؟.
أميركا تعيش حالة صدمة الارتدادات العكسية لمشروعها الاستعماري، دعمها المفرط للإرهاب الدولي لم يسعفها في احتواء المتغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية، وبات انكفاؤها التدريجي عن مسرح الأحداث الدولية أمراً لا مفر منه، ولكن هذا لا يعني أنها ستكف عن سياسات البلطجة الدولية، من أجل محاولة تثبيت هيمنتها، فهي ربما تضطر للتخفيف من وطأة إرهابها العسكري، ولكنها لن تكف عن ممارسة إرهابها الاقتصادي لحصار الشعوب وتجويعها، فشهيتها لم تزل مفتوحة نحو شن المزيد من الحروب، ولكن بأشكال ووسائل أخرى.
نبض الحدث بقلم أمين التحرير ناصرمنذر